فصل: باب مَا جرى مجرى الأسماء وإنما هي ألقاب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الصاحبي ***


باب آخر فِي الأسماء

قد قلنا فيما مضى مَا جاء فِي الإسلام من ذكر المسلم والمؤمن وغيرهما‏.‏

وقد كَانَتْ حدثت فِي صدر الإسلام أسماء، وذلك قولهم لمن أدرك الإسلام من أهل الجاهلية ‏"‏مُخَضْرَم‏"‏‏.‏ فأخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد مولى بني هاشم قال‏:‏ حدثنا محمد بن عباس الخُشْنَكِي عن إسماعيل بن أبي عبيد الله قال‏:‏ المخضرمون من الشعراء‏:‏ من قال الشعر فِي الجاهلية ثُمَّ أدرك الإسلام‏.‏

فمنهم حسان بن ثابت ولَبيد بن ربيعة ونابغة بني جعدة وأبو زيد وعمرو بن شاس والزَّبْرقان بن بدر وعمرو بن معدي كرب وكعب بن زهير ومعن بن أوس‏.‏

وتأويل المخضرم‏:‏ من خَضْرَمَت الشيء أي قطعته، وخَضْرَم فلان عطيته أي قطعها، فسمّي هؤلاء ‏"‏مخضرمين‏"‏ كأنهم قطعوا من الكفر إِلَى الإسلام‏.‏وممكن أن يكون ذَلِكَ لأن رتبتهم فِي الشعر نقصت لأن حال الشعر تكامنت فِي الإسلام لمَا أنزل الله جلّ ثناؤه من الكتاب العربي العزيز‏.‏ وهذا عندنا هو الوجه، لأنه لو كَانَ من القطع لكان كلُّ من قُطع إِلَى الإسلام من الجاهلية مخضرمًا، والأمر بخلاف هَذَا‏.‏

ومن الأسماء الَّتِي كَانَتْ فزالت بزوال معانيها قولهم‏:‏ المِرباع، والنَّشِيطة، الفُضول، وَلَمْ نذكر الصَّفِيّ لأن رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم قَدْ اصطفى فِي بعض غزواته وخُصَّ بذلك، وزال اسم الصَّفِي لما توفي رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم‏.‏

ومما تُرك أيضًا‏:‏ الأتاوة، والمَكْسَ، والحُلْوان‏.‏ وكذلك قولهم‏:‏ إِنْعَم صباحًا، وانْعم ظلامًا‏.‏ وقولهم للملك‏:‏ أبَيْتَ اللَّعن‏.‏ وتُرك أيضًا قول المملوك لمالكه‏:‏ ربّي‏.‏ وَقَدْ كانوا يخاطبون ملوكهم بالأَرباب قال الشاعر‏:‏

وأَسْلَمْنَ فِيهَا رَ بَّ كِنْدَةَ وابنَـهُ *** ورَبَّ معدٍّ بَيْنَ خَبْتٍ وعَرعَر

وتُرك أيضًا تسميةُ من لَمْ يَحُجَّ ‏"‏صَرورَةً‏"‏‏.‏ فحدثنا علي بن إبراهيم عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد - فِي حديث الأعمش - عن عمرو بن مُرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم‏:‏ «لا صَرُورَة فِي الإسلام» ومعنى ذَلِكَ فيما يقال‏:‏ هو الَّذِي يَدَعُ النكاح تَبَتُّلًا‏.‏ حدثني علي بن أحمد بن الصَّبَّاح قال‏:‏ سمعت ابن دُريْد يقول‏:‏ أصل الصَّرُورة أن الرجل فِي الجاهلية كَانَ إِذَا أحدث حدثًا فلجأ إِلَى الحرم لَمْ يُهَجْ وَكَانَ إِذَا لقيه وليّ الدم فِي الحرم قيل‏:‏ هو صَرورَة فلا تهجه‏.‏ ثُمَّ كثر ذَلِكَ فِي كلامهم حَتَّى جعلوا المتعبّد الَّذِي يجتنب النساءَ وطيبَ الطعام‏:‏ صرورة وصروريًا، وذلك عَنَى النابغة بقوله‏:‏

لو أنها عرضت لأشمط راهب *** عبد الإله صَرورَةٍ متعـبّـد

أي منقبض عن النساء‏.‏ فلما جاء الله جَل ثناؤه بالإسلام وأوجب إقامة الحدود بمكة وغيرها سمّي الَّذِي لَمْ يَحُجَّ ‏"‏صَرورة‏"‏ خلافًا لأمر الجاهلية، كَأَنَّهم جعلوا أن تركة الحجَّ فِي الإسلام كترك المُتَألِّه إِتيانَ النساء والتنعّم فِي الجاهلية‏.‏

ومما تُرك أيضًا قولهم‏:‏ الإبل تُساق فِي الصَّداق النَّوافِج‏.‏ عَلَى أن من العرب من كَانَ يكره ذَلِكَ‏.‏ قال شاعرهم‏:‏

وَلَيْسَ تِلادِي من وِراثة والدي *** ولا شانَ مالي مُستفادُ النوافِجِ

وكانوا يقولون‏:‏ ‏"‏تَهْنِكَ النافِجةُ‏"‏ مع الَّذِي ذكرنا من كراهة ذوي أقدارهم لَهَا وللعقول‏.‏ قال جَنْدَلُ الطُّهَوِيّ‏:‏

وَمَا فَكَّ رِق ذاتُ خَلْق خَبَرْنَـجِ *** ولا شانَ مالي صدقَةٌ وعقـولُ

ولكن نماني كلُّ أبيضَ صـارِمٍ، *** فأصبحتُ أدري اليومَ كَيْفَ أقولُ

ومما كُره فِي الإسلام من الألفاظ قول القائل‏:‏ ‏"‏خَبُثَت نفسي‏"‏ قال رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم‏:‏ «لا يقولَنَّ أحدُكم خَبُثتْ نفسي»‏.‏

وكُرِه أيضًا أن يقال‏:‏ استأثَر الله بفلان‏.‏

ومما كرهه العلماء قول من قال‏:‏ سُنة أبي بكر وعمر، إنما يقال‏:‏ فَرْضُ الله جلّ وعزَّ وسُنَّتُه، وسنة رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وآله وسلم‏.‏

ومما كَانَتْ العرب تستعمله ثُمَّ تُرك قولهم‏:‏ حِجْرًا محجوزًا‏.‏ وَكَانَ هَذَا عندهم لمعنيين‏:‏ أحدهما عند الحِرْمان إِذَا سُئِل الإنسان قال‏:‏ حجرًا محجورًا، فيعلم السائل أنه يريد أن يحرمه‏.‏ ومنه قوله‏:‏

حَنَّتْ إِلَى النَّخلة القُصْوى فقلت لَهَا *** حِجْرٌ حرام ألا تِلْكَ الـدَّهـارِيسُ

والوجه الآخر‏:‏ الاستعاذة‏.‏ كَانَ الإنسان إِذَا سافر فرأى من يخافه قال‏:‏ حِجْرًا محجورًا‏.‏ أي حرام عَلَيْكَ التعرّض لي‏.‏ وَعَلَى هَذَا فُسِّر قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏يوم يرَوْن الملائكة لا بُشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حِجْرًا محجورًا‏}‏ يقول المجرمون ذَلِكَ كما كانوا يقولونه فِي الدنيا‏.‏

باب مَا جرى مجرى الأسماء وإنما هي ألقاب

ومما جرى مجرى الاسم وهو لقب قولهم‏:‏ مُدْركة وطابخة‏.‏ وذلك فِي العرب عَلَى ثلاثة أضرب‏:‏ ضربٌ مدح، وضربٌ ذم، وضربُ تلقُّب الإنسان لفعل يفعله‏.‏

فالمدح‏:‏ تلقيبهم البَحْر والحَبْرَ والباقر والصادق والدّيباج وغيرهم‏.‏

والذم‏:‏ فكتلقيبهم بالوَزَغ ورَشْح الحَجَر وَمَا أشبه ذَلِكَ‏.‏

وأما اللقب المأخوذ من فعل يُفعل - فكطابخة ومُدركة‏.‏

وقوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولا تَنابَزُوا بالألقاب‏}‏ فقال قتادة‏:‏ هو أن تقول للرجل‏:‏ يَا فاسق يَا منافق‏.‏

وروى الشَّعبِيّ عن أبي جُبَيْرة بن الضحاك - وأبو جبيرة رجل من الأنصار من بني سلمة - قال‏:‏ فينا أنزلت هَذِهِ الآية‏.‏ وذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم قَدِم علينا، وَلَيْسَ منا رَجُلٌ إِلاَّ لَهُ لقبان أَوْ ثلاثة فجعل بعضنا يدعو بعضًا بلقبه، فسمع ذَلِكَ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فجعل هو أحيانًا يدعو الرجل ببعض تِلْكَ الألقاب، فقيل لَهُ‏"‏ يَا رسول الله إنه يغضب من هذا، فأنزل الله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولا تنابَزُوا بالألقاب‏}‏‏.‏

وأما تسمية العرب أولادها بكلب وقرد ونمر وأسد - فذهب علماؤنا إِلَى أن العرب كَانَتْ إِذَا ولد لأحدهم ابن ذكر سمّاه بما يراه أَوْ يسمعه مما يُتَفَأَّلُ به، فإن رأى حَجَرًا أَوْ سمعه تأوّل فِيهِ الشدة والصلابة والبقاء والصبر‏.‏ وإن رأى ذئبًا تأوّل فِيهِ الفطنة والنُّكر والكسب‏.‏ وإن رأى حمارًا تأوّل فِيهِ طول العُمر والوقاحة‏.‏ وإن رأى كلبًا تأوّل فِيهِ الحراسة وبُعدَ الصوت والإِلْفَ‏.‏ وَعَلَى هَذَا يكون جميع مَا لَمْ نذكره من هَذِهِ الأسماء‏.‏

باب الأسماء التي تسمى بِهَا الأشخاص عَلَى المُجاوَرَة والسَّبب

قال علماؤنا‏:‏ العرب تسمّي الشيءَ باسم الشيءِ إِذَا كَانَ مجاورًا لَهُ أَوْ كَانَ منه بسبب‏.‏ وذلك قولهم ‏"‏التيمُّم‏"‏ لَمَسْح الوجه من الصعيد، وإنما التيمّم الطلب والقصد‏.‏ يقال‏"‏ تيمّمتك وتأممتك أي تعمّدتك‏.‏

ومن ذَلِكَ تسميتهم السحاب ‏"‏سماءً‏"‏ والمطر ‏"‏سماء‏"‏ وتجاوزوا ذلك إِلَى أن سموا النبتَ سماءً‏.‏ قال شاعرهم‏:‏

إِذَا نَزَل السماءُ بأرض قوم

وربما سموا الشحم ‏"‏ندىً‏"‏ لأن الشحم عن النبت، والنبت عن الندى قال ابن أَحْمَرَ‏:‏

كثور العداب الفَرْد يَضْرِبه النَّدى *** تَعَلَّى النَّدى فِي متنه وتَـحَـدَّرا

ومن هَذَا الباب قول القائل‏:‏

قَدْ جعلتُ نفسي فِي أديمِ ***

أراد بالنفس الماء وذلك قِوامَ النفس بالماء‏.‏

وذكر ناس أنّ من هَذَا الباب قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏أنزلَ لكُمْ من الأنعام ثمانية أزواج‏}‏ يعني خلق‏.‏ وإنما جاز أن يقول أنزل لأن الأنعام لا تقوم إِلاَّ بالنبات والنبات لا يقوم إِلاَّ بالماء، والله جلّ ثناؤه ينزل الماء من السماء‏.‏ قال‏:‏ ومثله ‏{‏قَدْ أنزلنا عليكم لِباسًا‏}‏ وهو جلّ ثناؤه إنما أنْزَلَ الماء، لكن اللباس من القطن، والقطن لا يكون إِلاَّ بالماء‏.‏ قال‏:‏ ومنه جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏وليَسْتَعْففِ الَّذِين لا يجدون نكاحًا‏}‏ إنما أراد والله أعلم - الشيء يُنْكَحُ بِهِ من مَهْر ونَفقة، ولا بد للمتزوج بِهِ منه‏.‏

باب القول فِي أصول أسماء قِيسَ عَلَيْهَا وأُلحِقَ بِهَا غيرُها

كَانَ الأصمعي يقول‏:‏ أصل ‏"‏الورِد‏"‏ إتيان الماء، ثُمَّ صار إتيانُ كلِّ شيء ورْدًا‏.‏ و ‏"‏القرَبَ‏"‏ طلبُ الماء‏.‏ ثُمَّ صار يقال ذَلِكَ لكل طلب، فيقال‏:‏ ‏"‏هو يَقْرَب كذا‏"‏ أي يطلبه و ‏"‏ولا تَقْرب كذا‏"‏‏.‏

ويقولون‏:‏ ‏"‏رَفَعَ عَقِيرَتَهُ‏"‏ أي صوته، وأصل ذَلِكَ أن رَجُلًا عُقِرَتْ رجله فرفعها وجعل يَصيحُ بأعلى صوته فقيل بعد ذَلِكَ لكل من رفع صوته‏:‏ رفع عقيرته‏.‏

ويقولون‏"‏ بَيْنَهما مسافة‏"‏ وأصله من ‏"‏السَّوف‏"‏ وهو الشم‏.‏ ومثل هَذَا كثير‏.‏

قلنا‏:‏ وهذا الَّذِي عن الأصمعي وسائر مل تركنا ذكره لشهرته فهو راجع إِلَى الأبواب الأُوَلِ، وكلّ ذَلِكَ عندنا توقيف عَلَى مَا احتججنا لَهُ‏.‏

وقول هؤلاء‏:‏ إنه كَثُرَ حَتَّى صار كذا، فعلى مَا فسرناه من أن الفرع مُوَقَّفٌ عليه، كما أن الأصل موقَّف عَلَيْهِ‏.‏

باب الأسماء كَيْفَ تقع عَلَى المسميات

يُسمَّى الشيئان المختلفان بالاسمين المختلفين، وذلك أكثر الكلام كرَجُل وفَرَس‏.‏

ونُسمى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، نحو‏:‏ ‏"‏عين الماء‏"‏ و ‏"‏عين المال‏"‏ و ‏"‏عين السحاب‏"‏‏.‏

ويسمى الشيء الواحد بالأَسماء المختلفة‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏السيف والمهنّد والحسام‏"‏‏.‏

والذي نقوله فِي هَذَا‏:‏ إن الاسم واحد وهو ‏"‏السيف‏"‏ وَمَا بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى‏.‏

وَقَدْ خالف فِي ذَلِكَ قوم فزعموا أنها وإن اختلفت ألفاظها فإنها ترجع إِلَى معنى واحد‏.‏ وذلك قولنا‏:‏ ‏"‏سيف وعضب وحُسام‏"‏‏.‏

وقال آخرون‏:‏ لَيْسَ منها اسم ولا صفة إِلاَّ ومعناه غيرُ معنى الآخر‏.‏ قالوا‏:‏ وكذلك الأفعال‏.‏ نحو‏:‏ مضى وذهب وانطلق‏.‏ وقعد وجلس‏.‏ ورقد ونام وهجع‏.‏ قالوا‏:‏ ففي ‏"‏قعد‏"‏ معنى لَيْسَ فِي ‏"‏جلس‏"‏ وكذلك القول فيما سواهُ‏.‏

وبهذا نقول، وهو مذهب شيخنا أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب‏.‏

واحتجُ أصحاب المقالة الأولى بأنه‏:‏ لو كَانَ لكلّ لفظة معنىً غير معنى الأُخرى لما أمكن أن يعبّر عن شيء بغير عبارته‏.‏ وذلك أنّا نقول فِي ‏{‏لا ريب فِيهِ‏}‏‏:‏ ‏"‏لا شك فِيهِ‏"‏ فلو كَانَ ‏"‏الرَّيْب‏"‏ غير ‏"‏الشَّكّ‏"‏ لكانت العبارة عن معنى الرّيب بالشك خطأ‏.‏ فلما عُبّرَ عن هَذَا بهذا علم أن المعنى واحد‏.‏

قالوا‏:‏ وإِنما يأتي الشعر بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد فِي مكان واحد تأكيدًا ومبالغة‏.‏ كقولهم‏:‏

وهند أتى من دونها النأيُ والبُعدُ ***

فقالوا‏:‏ فالنأي هو البعد قالوا‏:‏ وكذلك قول الآخر‏:‏

عام الحبس والأصر ***

إِن الحبس هو الأصْرُ ونحن نقول‏:‏ إِن فِي قعد معنىً ليس فِي جلس‏.‏ ألا ترى أَنَّا نقول ‏"‏قام ثُمَّ قعد‏"‏ و ‏"‏أخَذَهُ المقِيمُ والمقْعِدَ‏"‏ و ‏"‏قَعَدَتِ المرأة عن الحيض‏"‏‏.‏ ونقول لناس من الخوارج ‏"‏قَعَدٌ‏"‏ ثُمَّ نقول‏:‏ ‏"‏كَانَ مضطجعًا فجلس‏"‏ فيكون القعود عن قيام والجلوس عن حالة هي دون الجلوس لأن ‏"‏الجَلْسَ‏:‏ المرتفع‏"‏ فالجلوس ارتفاع عما هو دونه‏.‏ وَعَلَى هَذَا يجري الباب كلُّه‏.‏

وأما قولهم‏:‏ إِن المعنيين لو اختلفا لما جاز أن يُعَبَّر عن الشيء بالشيء‏.‏ فإنا نقول‏:‏ إنّما عُبّر عنه من طريق المشاكلة، ولسنا نقول إِن اللفظتين مختلفتان، فيلزمنا مَا قالوه‏.‏ وإنما نقول إِن فِي كلّ واحدة منهما معنىً لَيْسَ فِي الأخرى‏.‏

ومن سُنَن العرب فِي الأَسماء أن يسمّوا المتضادَّين باسم واحد‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏الجَوْن‏"‏ للأسود و ‏"‏الجَوْن‏"‏ للأبيض‏.‏ وأنكر ناس هَذَا المذهب وأن العرب تأتي باسم واحد لشيء وضدّه‏.‏

وهذا لَيْسَ بشيء‏.‏ وذلك أن الَّذِين رَوَوْا أن العرب تُسمي السيف مهنَّدًا والفَرَسَ طِرْفًا هم الَّذِين رَوَوْا أن العرب تُسمِّي المتضادَّين باسم واحد‏.‏

وَقَدْ جرَّدنا فِي هَذَا كتابًا ذكرنا فِيهِ مَا احتجوا به، وذكرنا ردَّ ذَلِكَ ونقصه، فلذلك لَمْ نكرّرِهُ‏.‏

باب الأسماء التي لا تكون إلا باجتماع صفات وأقلها ثنتان

من ذَلِكَ ‏"‏المائدة‏"‏ لا يقال لَهَا مائدة حَتَّى يكون عَلَيْهَا الطعام لأن المائدة من ‏"‏مَادني يميدُني‏"‏ إِذَا أعطاك‏.‏ وإلاَّ فاسمها ‏"‏خِوَان‏"‏‏.‏

وكذلك ‏"‏الكأس‏"‏ لا تكون كأسًا حَتَّى يكون فِيهَا شراب‏.‏ وإلا فهو ‏"‏قدح‏"‏ أَوْ ‏"‏كوب‏"‏‏.‏

وكذلك ‏"‏الحُلَّة‏"‏ لا تكون إِلاَّ ثوبين‏:‏ إزار ورداء من جنس واحد فإن اختلفا لَمْ تُدْعَ حُلَّة‏.‏

ومن ذَلِكَ ‏"‏الظَّعِنَة‏"‏ لا تكون ظعينة حَتَّى تكون امرأة فِي هودج عَلَى راحلة‏.‏

ومن ذَلِكَ ‏"‏السَّجْل‏"‏ لا يكون سجلًا إِلاَّ أن يكون دلوًا فِيهِ ماء‏.‏

و ‏"‏اللِّحْيَة‏"‏ لا تكون إِلاَّ شعرًا عَلَى ذّقّن ولَحْيَيْن‏.‏

ومن ذَلِكَ ‏"‏الأرِيكَة‏"‏ وهي الحَجْلة عَلَى السرير لا تكون كذا‏.‏ فسمعت عليَّ بن إبراهيم يقول سمعت ثعلبًا يقول‏:‏ الأرِيكة لا تكون إِلاَّ سريرًا مُتَّخَذًا فِي قبة شَوارُهُ ونجْدُهُ‏.‏

وكذلك ‏"‏الذنوب‏"‏ لا تكون ذنوبًا إِلاَّ وهِي ملأى، ولا تسمّى خالية ذَنوبًا‏.‏

ومن ذَلِكَ ‏"‏القلم‏"‏ لا يكون قلمًا إِلاَّ وَقَدْ بُرِيَ وأُصلح، وإلاَّ فهو أُنْبوبة‏.‏

وسمعت أبي يقول‏:‏ قيل لأعرابي ‏"‏مَا القلم‏؟‏‏"‏ فقال‏:‏ ‏"‏لا أدري‏"‏ فقيل لَهُ ‏"‏تَوَهَّمْهُ‏"‏ فقال‏:‏ ‏"‏هو عود قُلِمَ من جانبيه كتقليم الأُظفور فسُمِّيَ قلما‏"‏‏.‏

ومن ذَلِكَ ‏"‏الكوب‏"‏ لا يكون إِلاَّ بلا عروة‏.‏‏؟‏ و‏"‏الكوز‏"‏ لا يكون إِلاَّ بعُروة‏.‏

باب الاسمين المصطحبين

أخبرنا عليّ بن إبراهيم عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال، قال الأصمعي‏:‏ إِذَا كَانَ أَخَوان أَوْ صاحبان وَكَانَ أحدهما أشهر من الآخر سُمّيا جميعًا باسم الأشهر، قال الشاعر‏:‏

ألا مَنْ مُبْلِغُ ‏"‏الحُرَّيْنِ‏"‏ عني *** مُغَلْغَلَةً وخُصَّ بِهَا أُبـيَّا

وأحدهما هو الحُرّ‏.‏ وكذلك الزَّهدَمان والثعلبتان‏.‏

ويكون ذَلِكَ فِي الألقاب كقولهم لِقَيْسٍ ومُعاوية ابنَيْ مالك بن حَنْظَلة ‏"‏الكُرْدوسان‏"‏ ولِعَبْس وذُبْيان ‏"‏الأَجربان‏"‏‏.‏

وذَكَر الأبواب بطولها‏.‏ وإنما نذكر من كلّ شيء رسمًا لشُهْرَته‏.‏

باب فِي زيادات الأسماء

ومن سُنن العرب الزّيادة فِي حروف الاسم، ويكون ذَلِكَ إما للمبالغة وإما للتشويه والتقبيح‏.‏

سَمعت مَن أثِقُ بِهِ قال‏:‏ تفعل العَرب ذَلِكَ للتشويه، يقولون للبعيد مَا بَيْنَ الطرفين المفرط الطول ‏"‏طِرِمّاح‏"‏ وإنما أصله من ‏"‏الطَّرَح‏"‏ وهو البعيد، لكنه لما أفرط طوله سُمي طرمّاحًا، فشُوّه الاسم لما شوهت الصورة‏.‏ وهذا كلام غير بعيد‏.‏

ويجيء فِي قياسه قولهم ‏"‏رَعَشْنٌ‏"‏ للذي يرتعش و ‏"‏خَلْبَنٌ‏"‏ و ‏"‏زُرْقَمٌ‏"‏ للشديد الزَّرق و ‏"‏صِلْدِم‏"‏ للناقة الصُّلْبة، والأصل صَلْد و ‏"‏شَدْقَم‏"‏ للواسع‏.‏

ويكون من الباب قولهم للكثيرة التَّسَمُّع والتَّنظُّر ‏"‏سِمْعَنَّةٌ، نِظْرَنَّة‏"‏‏.‏

ومن الباب‏:‏ كبير وكُبار وكُبَّار‏.‏ وطُوَال وطُوَّال‏.‏

باب الحروف

قال أحمد بن فارس‏:‏ هَذَا باب يصلح فِي أبواب العربية، لكني رأيت فقهاءنا يذكرون بعض الحروف فِي كتب الأصول، فذكرنا منها مَا ذكرناه عَلَى اختصار‏.‏

فأصل الحروف - الثمانيةُ والعشرون الَّتِي منها تأليف الكلام كلِّه‏.‏ وتتولَّد بعد ذَلِكَ حروف كقولنا‏:‏ ‏"‏اصْطَبر‏"‏ و ‏"‏ادَكر‏"‏ تولَّدن الطاء لعلّة، وكذلك الدال‏.‏

فأول الحروف الهمزة، والعرب تنفرد بِهَا فِي عُرْض الكلام مثل ‏"‏قرأ‏"‏ ولا يكون فِي شيء من اللغات إِلاَّ ابتداءً‏.‏

وممّا اختصت بِهِ لغة العرب الحاء والظاء‏.‏ وزعم ناس أن الضاد مقصورة عَلَى العرب دون سائر الأمم‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ وَقَدْ انفردت العرب بالألف واللام اللتين للتعريف، كقولنا‏:‏ ‏"‏الرجل‏"‏ و ‏"‏الفرس‏"‏ فليسا فِي شيء من لغات الأمم غير العرب‏.‏

باب ذكر دخول ألف التعريف ولامه فِي الأسماء

تدخل ألف التعريف ولامهُ عَلَى اسمين‏:‏ متمكن وغير متمكن فالذي هو غير متمكن ‏"‏الَّذِي‏"‏ و ‏"‏الَّتِي‏"‏‏.‏ والمتمكن قولنا‏:‏ ‏"‏رجل‏"‏ ثُمَّ يكون ذَلِكَ للجنس والتعريف‏.‏

فالأول قولنا ‏"‏رجل‏"‏ لِمَنْكُورٍ، فإذا عُهد مرّة قيل ‏"‏الرجل‏"‏‏.‏

والجنس قولنا ‏"‏كثر الدينار والدِّرهم‏"‏ وقوله‏:‏

والذئب أخشاه إن مررت بِهِ ***

لا يريد بِهِ ذئبًا بعينه، إنما يريد أنه يخشى هَذَا الجنس من الحيوان‏.‏

ويكون الألف واللام بمعنى الَّذِي كقولنا ‏"‏جاءني الضاربُ عَمْرًا‏"‏ بمعنى الَّذِي ضرب عمرًا‏.‏

وربما دَخلا عَلَى الاسم وضعًا، لا لجنس ولا لشيء من المعاني كقولنا ‏"‏الكوفة‏"‏ و ‏"‏البصرة‏"‏ و ‏"‏البشْرُ‏"‏ و ‏"‏الثَّرثارُ‏"‏‏.‏

وربما دخلا للتفخيم نحو‏:‏ ‏"‏العبّاس‏"‏ و ‏"‏الفضل‏.‏ وهذان هما اللذان يدخلان فِي أسماء الله - جلّ وعزّ - وصفاتِهِ‏.‏

باب الألف المُبْتَدأ بِهَا

يقولون‏:‏ ألِفُ أصْل، وألف وصل، وألف قَطْع، وألف استفهام، وألف المُخْبر عن نفسه‏.‏

فالألف الَّتِي للأصل قولنا ‏"‏أتى يأتي‏"‏‏.‏ وألف القطع مثل ‏"‏أكرم‏"‏‏.‏ وألف الاستفهام نحو‏:‏ ‏"‏أخَرجَ زيد‏؟‏‏"‏‏.‏ وألف المُخْبِر عن نفسه نحو‏:‏ ‏"‏أنا أخرجُ‏"‏‏.‏

وألف الوصل‏:‏ تدخل عَلَى الأسماء والأفعال والأدوات‏.‏ ففي الأسماء قولنا ‏"‏اسم‏"‏ و ‏"‏ابن‏"‏ وَفِي الأفعال قولنا ‏"‏اضْربْ‏"‏‏.‏ والتي تدخل عَلَى الأدوات مختلف فِيهَا‏:‏ قال قوم هي الألف فِي قولك ‏"‏أَيم الله‏"‏‏.‏ والألف الَّتِي تدخل عَلَى لام التعريف مثل ‏"‏الرجُل‏"‏، وهذا فِي مذهب أهل البصرة‏.‏ وكثيرًا مَا سمعت أبا سعيد السيْرافيّ يقول فِي ألف الرجل ألف لام التعريف‏.‏ والكوفيون يقولون ألف التعريف ولامه وهما مثل ‏"‏هل‏"‏ و ‏"‏بل‏"‏‏.‏

بابُ وُجوه دُخول الألف فِي الأفعال

دخول الألف فِي الأفعال لوجوهٍ‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يكون الفعل بالألف وغير الألف بمعنىً واحد نحو قولهم ‏"‏رَمَيْتُ‏"‏ عَلَى الخمسين‏"‏ و ‏"‏أَرْمَيْتُ‏"‏ أي زدت و ‏"‏عَنَدَ العِرْقُ‏"‏ إذَا سال و ‏"‏أَعْنَدَ‏"‏‏.‏

والوجه الآخر‏:‏ أن يتغيَّر المعنَيَان، وإن كَانَ الفعلان فِي القياس راجعين إِلَى أصل واحد نحو‏:‏ ‏"‏وَعَيْتُ الحديث‏"‏ و ‏"‏أَوْعَيْتُ المتاعَ فِي الوعاء‏"‏‏.‏ ومن هَذَا الباب ‏"‏أَسْقَيْتُه‏"‏ إذَا جعلت لَهُ سُقْيًا و ‏"‏سَقَيْتُهُ‏"‏ إذَا أنت سقيته‏.‏

والوجه الثالث‏:‏ أن يتضادَّ المعنيان بزيادة الألف نحو‏:‏ ‏"‏تَرِبَ‏"‏ إذَا افْتَقرَ و ‏"‏أَتْرَب‏"‏ إذَا اسْتَغْنَى‏.‏

والوجه الرابع‏:‏ أن يكون الفعلان لشيئين مختلفين، فيكون بغير ألف لشيء وبالألف لشيء آخر‏.‏ من ذَلِكَ ‏"‏حَيّى القومُ بعدَ هُزال‏"‏ إذَا حسنت أحوالهم و ‏"‏أَحْيَوْا‏"‏ إذَا حيَّت دَوابُّهم‏.‏

والوجه الخامس‏:‏ أن يكون بالألف بمعنى العَرْض وبغير ألف لإنفاذ الفعل نحو‏:‏ ‏"‏بِعْتُ الفرس‏"‏ إذَا أمضيت بيعه و ‏"‏أَبَعْتُه‏"‏ إذَا عرضته لبيع‏.‏

والوجه السادس‏:‏ أن يكون بالألف إخبارًا عن مجيء وقت نحو‏:‏ ‏"‏أَحْصَدَ الزَّرعُ‏"‏ حان لَهُ أن يُحْصَد‏.‏

والوجه السابع‏:‏ أن يكون دالًا عَلَى وجود شيء بصفة نحو‏:‏ ‏"‏أَحْمَدتُ الرجُل‏"‏ إذَا وجدته محمودًا‏.‏

والوجه الثامن‏:‏ أن يدل عَلَى إتيان فعل نحو‏:‏ ‏"‏أَخَسَّ الرجل‏"‏ أتى بِخَسِيسِ‏.‏

وتكون الألف للتعدية نحو‏:‏ ‏"‏أذهبتُ زيدًا‏"‏‏.‏

وربّما كَانَتْ هَذِهِ الألف للشيء نفسه، ويكون الفاعل ذلك بلا ألف نحو‏:‏ ‏"‏أَقْشَعَ الغيمُ‏"‏ و ‏"‏قَشَعْته الريحُ‏"‏، و ‏"‏ًاتْرَفَتْ البئرُ‏"‏ ذهب ماؤها و ‏"‏تَرَفْناها نحنُ‏"‏ و ‏"‏أنْسَلَ رِيشُ الطائر‏"‏ سقط و ‏"‏نَسَلته أنا‏"‏، و ‏"‏أكبَّ عَلَى وجهه‏"‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أفمنْ يمْشي مكِبًَّا عَلَى وجههِ‏}‏ و ‏"‏كَبَّهُ اللهُ‏"‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ‏}‏‏.‏

باب شرحُ جُملةٍ تقدَّمت فِي أَلِفات الوَصْل

ألفات الوصل - تكون فِي صدور الأسماء والأفعال والأدوات ويذكر أهلُ العربية أنها نَيّفٌ وأربعون ألفًا - عَلَى تكرير يقع فِي بعضها - لأن الَّذِي يذكر منها فِي المصادر مكرَّرٌ فِي الأفعال‏.‏

فأما الَّتِي فِي الأسماء فَتِسْعَ عشرة ألفًا‏.‏ وهي عَلَى ضربين‏:‏ ألفٌ فِي اسم لَمْ يَصدُر عن فعل، فالألفات فِي الأسماء الَّتِي لَمْ تصدر عن الأفعال ثمان‏:‏ ألف ‏"‏ابن‏"‏ و ‏"‏ابنة‏"‏ و ‏"‏اثنين‏"‏ و ‏"‏اثنتين‏"‏ و ‏"‏امرئ‏"‏ و ‏"‏امرأة‏"‏ و ‏"‏اسم‏"‏ وألف ثامنة‏.‏ والألفات فِي الأسماء الصادرة عن الأفعال هي الَّتِي فِي ‏"‏اقتطاع‏"‏ و ‏"‏استعطاف‏"‏ و ‏"‏ارتداد‏"‏ و ‏"‏احميرار‏"‏ و ‏"‏استحنكاك‏"‏ و ‏"‏اقشعرار‏"‏ و ‏"‏اخرِوَّاط‏"‏ و ‏"‏اعْريراء‏"‏ و ‏"‏اطّواف‏"‏ و ‏"‏اثيقال‏"‏‏.‏ وهذه تكون فِي الإدراج ساكنةً وإذا ابتدئ بِهَا كَانَتْ مكسورة‏.‏

وأما الَّتِي فِي الأفعال - فثلاث‏:‏ منها فِي الأمر بالفعل الثلاثي‏.‏ مثل ‏"‏اضْرِبَ، اعلمُ، اقْتُلُ‏"‏‏.‏ ومنها فِي للأفعال الماضية الَّتِي ذكرت عنها الأسماء المتقدّم ذكرها إحدى عشرة ألفًا وهي‏:‏ أَفْتَعلَ، وانْفعَلَ، واسْتفعَل، وافْعلّ، وافْعَالَّ، وافْعلَّلَ، وافْعَوْعَلُ، وافْعلّل، وافَّعِلْ، وافّاعِلْ وقد ذكرنا ترجمة هذه الأمثلة ثم تقع هذه الألقاب بعينها في الأفعال المستعبدة المأمور بها وهي‏:‏ افتعل وانفعل واستفعل وافعلل وافعالل وافعلل وافعول وافعوعل وافعلل وافعل وافاعل‏.‏

وقد أعلمتُ أن فِيهَا تكريرًا ليكون الباب أبلغ شرحًا‏.‏

وأما الَّتِي تقع فِي الأدوات - فقليلة عَلَى اختلاف فِيهَا، وإنما هي فِي قولهم ‏"‏أيمُ الله‏"‏‏.‏ والألف التي مع اللام فِي قولنا ‏"‏الرجلُ‏"‏‏.‏ وموضع الاختلاف أن الألف فِي ‏"‏أَيمُ‏"‏ مقطوعة صحيحة‏.‏ وهي بالهمزة أشبه منها بألفات الوصل، إِلاَّ أن نقول ‏"‏إِيمُ الله‏"‏ بالكسر فيكون حينئذ أشبه بألف الوصل‏.‏

والألف الَّتِي مع اللام قَدْ تقدم ذكرها‏.‏

باب الباء

الباء من حروف الشفَّة‏.‏ ولذلك لا تأتلف مع الفاء والميم‏:‏ أما الفاء فلا تقارنها باء متقدمة ولا متأخرة‏.‏ وأما الميم فلا تتقدم عَلَى الباء ملاصقةً لَهَا بوجهٍ‏.‏ ومتأخّرةً كذلك إِلاَّ فِي قولنا ‏"‏شَبمٌ‏"‏‏.‏ وَقَدْ يدخل بَيْنَهما دخيل فِي مثل ‏"‏عَبَام‏"‏ وهي عَلَى الأحوال يقِلّ تألُّقها معها‏.‏‏.‏

وهي من الحروف الأصلية، وَمَا أعلمهم زادوها فِي شيء من أبنية كلامهم، إِلاَّ فِي حرف قاله الأغلب‏:‏

فَلَّكَ ثدياها مع النتُوبِ ***

أراد ‏"‏النُّتُوء‏"‏ فزاد الباء‏.‏

والباء تكون للإلصاق، وللاعتمال، وَفِي موضع ‏"‏عن‏"‏، وَفِي موضع ‏"‏من‏"‏، وتكون للمصاحبة، وتقع موقع ‏"‏مع‏"‏‏.‏ وتقع موقع ‏"‏فِي‏"‏ و ‏"‏عَلَى‏"‏، وتكون للبدل، ولتعدية الفعل، وللسبب، وتكون دالَّة عَلَى نفس المُخْبِر عنه وظاهرها يُوهِم أن الإخبارَ عن غيره، ومنها المُلْصَقة بالاسم والمعنى الطرح، ومنها باء الابتداء، ومنها باء الْقَسَم‏.‏

فالإلصاق - قولك ‏"‏مسحت يدي بالأرض‏"‏‏.‏ ومن أهل العربية من يقول‏:‏ ‏"‏مررت بزيد‏"‏ إنها للإلصاق، كَأَنَّه ألصق المرورَ بِهِ‏.‏ وكذا إذَا قال‏:‏ ‏"‏هَزَأت بِهِ‏"‏‏.‏

والإِعْتِمال - قولنا ‏"‏كتبت بالقلم‏"‏ و ‏"‏ضربت بالسيف‏"‏‏.‏ وذكر ناس أن هَذِهِ والتي قبلها سواء‏.‏

والباء الواقعة موقع ‏"‏عن‏"‏ قولهم - ‏"‏سألت بِهِ‏"‏ إنما أردت عنه ومنه ‏"‏سَأَلَ سائِلٌ بعذابٍ واقع‏"‏‏.‏ ومنه‏:‏

وسائِلة بثعلبةَ بنِ سير ***

والباء الواقعة موقع ‏"‏من‏"‏ - فِي قوله جل ثناؤه ‏{‏عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عبادُ الله‏}‏ أراد منها‏.‏ و‏:‏

شَرِبَتْ بماء الدُّحْرَضَيْنِ‏.‏

وباء المصاحبة - ‏"‏دخل فلان بثيابه وسيفه‏"‏ وقوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وَقَدْ دخلوا بالكفر‏}‏ ومنه ‏"‏ذهبت بِهِ‏"‏ لأنك تكون مصاحبًا لَهُ‏.‏

والباء الَّتِي فِي موضع ‏"‏فِي‏"‏ قوله‏:‏

مَا بُكتْ الكبير بالأَطلال ***

والتي فِي موضع ‏"‏عَلَى‏"‏ قوله‏:‏

أربٌ يبول الثَّعْلُبانُ برأسه ***

أراد ‏"‏عَلَى‏"‏‏.‏

وباء البدل - قولهم ‏"‏هَذَا بذاك‏"‏ أي عوض منه‏.‏ ومنه‏:‏

قالت بما قَدْ أراهُ بصيرًا ***

وباء تعدية الفعل - ‏"‏ذهبت بِهِ‏"‏ بمعنى ‏"‏أذهبته‏"‏‏.‏ وقوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏أسرى بعبده‏}‏ لَيْسَ من ذا، لأن سرى وأسرى واحد‏.‏

وباء السبب - قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏والذين هم بِهِ مشركون‏}‏ أي من أجله‏.‏ فأما قوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏{‏وكانوا بشركائهم كافرين‏}‏ فمحتمل أن يكونوا كفروا بِهَا وتبرأوا منها‏.‏ ويجوز أن تكون باء السبب ، كَأَنَّه قال‏:‏ ‏"‏وكانوا من أجل شركائهم كافرين‏"‏‏.‏

والباء الدالّة عن نفس المُخبّر عنه والظاهر أنها لغيره - قولك‏:‏ ‏"‏لقيت بفلان كريمًا‏"‏ إنما أردته هو نفسه‏.‏ ومنه قوله‏:‏

وَلَمْ يَشْهَدِ الْهَيْجَا بأَلْوَثَ مُعْصِم ***

أراد نفسه‏.‏

والزائدة‏:‏ قولك ‏"‏هَزْت برأسي‏"‏ و ‏"‏لا يَقْرَأْنَ بالسُّور‏"‏‏.‏

وباء الابتداء - قولك‏:‏ ‏"‏باسم الله‏"‏ المعنى أبدأ باسم الله‏.‏

وباء القسم‏:‏ قولك ‏"‏أُقْسِمُ بالله‏"‏ ثُمَّ يحذف ‏"‏أقسم‏"‏ فيقال ‏"‏بالله‏"‏‏.‏ فإن أرادوا أن يُقسموا بمُضْمَر لَمْ يقولوه إِلاَّ بالباء يقولون‏:‏ ‏"‏والله‏"‏ فإذا أضمروا قالوا‏:‏ ‏"‏بِهِ لا فعلت‏"‏ قال‏:‏

ألا نادَتْ أُمامَةُ بارْتِحـال

لِتُحْزِنَني، فلا بِكِ مَا أُبالي

فأما قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهنَّ‏}‏، ‏"‏بقادر‏"‏ فقال قوم الباء فِي موضعها وأن العرب تعرف ذَلِكَ وتفعله‏.‏ قال امرؤ القيس‏:‏

فإن تَنْأَ عنها حقْبَةً لَمْ تُلاقِها *** فإنَّك مما أَحْدَثَتْ بالمُجرَّبِ

وقال قوم‏:‏ إنما هو ‏"‏بالمُجَرِّبَ‏"‏ بكسر الراء، ويكون معناه ‏"‏كالمُجَرِّب‏"‏ كما قال عديّ‏:‏

إِنني والله فاقبل حَلْفَتِي *** بِأَبِيلٍ كُلَّما صَلَّى جَأَرْ

قالوا‏:‏ معناه ‏"‏كابيل‏"‏ وهو الراهب وبمنزلته فِي الدين والتقوى‏.‏

ومن روى بيت امرئ القيس بالفتح فالمعنى ‏"‏بموضع التجريب‏"‏ كما قال جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فلا تَحْسَبَنَّهُمْ بمفَازَةٍ من العذاب‏}‏ أي بحيث يفوزون‏.‏ وكذلك ‏"‏بالمجرَّب‏"‏ أي بحيث جُرِّبت وبحيث التجريب، والمُجَرَّب والتجريب واحد‏.‏ كقولهم ‏"‏مُمَزَّق‏"‏ بموضع تمزيق فِي قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏ومَزَّقْناهُم كُلَّ مُمَزَّق‏"‏‏.‏

باب التاء

التاء‏:‏ تزاد فِي الكلام أولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة‏:‏ فزيادتها فِي الأسماء أُولى فِي نحو‏:‏ ‏"‏تَنْضُب‏"‏ و ‏"‏تَتْفُل‏"‏‏.‏ وَفِي الفعل ‏"‏تَفْعَل‏"‏ وَمَا أشبهه‏.‏ والثانية نحو‏:‏ ‏"‏اقتدر‏"‏‏.‏ والثالثة ‏"‏استفعل‏"‏‏.‏ والرابعة ‏"‏سَنْبَتةٌ من الدهر‏"‏ لأن الأصل ‏"‏سَنْبَة‏"‏‏.‏ والخامسة مثل ‏"‏عفريت‏"‏‏.‏ والسادسة مثل ‏"‏عنكبوت‏"‏‏.‏

ومن التاء - تاء القسم نحو‏:‏ ‏"‏تالله‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ هي عِوَض من الواو كقولهم ‏"‏تُجَاه‏"‏ و ‏"‏تُكْلان‏"‏‏.‏

وتقع فِي جمع المؤنث نحو‏:‏ ‏"‏قائمات‏"‏‏.‏

وتكون بدلًا من الهاء فِي لغة من يقول‏:‏ ‏"‏ليست عندنا عربيت‏"‏‏.‏

وتاء - تدخل عَلَى ‏"‏ثُمَّ‏"‏ و ‏"‏رُبَّ‏"‏ و ‏"‏لا‏"‏، كقولهم ثُمت ورُبَّتَ ولاتَ حِين‏.‏ وناس يقولون‏:‏ هي داخلة عَلَى ‏"‏حين‏"‏‏.‏

وتاء المؤنث‏:‏ نحو‏:‏ ‏"‏هي تفعل‏"‏‏.‏

وتاء النفس‏:‏ نحو‏:‏ ‏"‏فَعلتُ‏"‏ و ‏"‏فعلتَ‏"‏ فِي المخاطبة‏.‏ و ‏"‏فعلتِ‏"‏ و ‏"‏فَعَلَت‏"‏ فِي الأخبار عن المؤنث‏.‏

وتاء تكون بدلا من سين في بعض اللغات‏.‏ أنشد ابن السكيت‏:‏

يَا قبح الله بني الـسـعْـلاتِ *** عَمْرو بن مسعود شرارِ النات

وأما الثَّاءُ فلا أعرف لها عِلَّةً، ولا تقع زائدةً‏.‏

وكذلك الجيم، إِلاَّ فِي الَّذِي ذكرناه من اللغات المستكرَهة‏.‏

والحاء والخاء فلا أعرف لهما علّةً‏.‏

والدال لا عِلَّة لَهَا إِلاَّ فِي لغة من يقلب التاءَ دالًا‏.‏ فحدثنا عليّ عن محمد بن فَرَح عن سَلَمَة عن الفَرَّاء قال‏:‏ قوم من العرب يقولون‏:‏ ‏"‏أجدَبيكَ‏"‏ فِي موضع ‏"‏أَجتَبِيكَ‏"‏ يجعلون تاء الافتعال بعد الجيم دالًا‏.‏ ويقولون‏:‏ ‏"‏اجْدَمَعُوا‏"‏ وأنشد‏:‏

فقلت لصاحِبي لا تحبسانا *** بِنزْع أُصوله واحدْزّ شِيحا

والراء لا أعرف لَهَا علّة‏.‏

وكذلك الزاي لا أعرف لها علة‏.‏

وكذلك الزاي إلا في قولهم‏:‏‏"‏رازي‏"‏ و‏"‏مروزي‏"‏‏.‏

وأما السين فإنها تزاد فِي ‏"‏استفعل‏"‏‏.‏ ويختصرون ‏"‏سَوْفَ أَفْعَلُ‏"‏ فيقولون ‏"‏سَأَفْعَلُ‏"‏‏.‏

ولا أعرف للشين علّة غير الَّذِي ذكرناه فِي الحروف المستكرهة وكذلك فِي الحروف الَّتِي بعدّها حَتَّى العين‏.‏

وعِلة العين أنّها تقوم مقام الهمزة فِي لغة بني تميم يقولون‏:‏ ‏"‏علمت عَنَّ ذَاكَ‏"‏ كأنما أراد ‏"‏أَنَّ‏"‏‏.‏

وكذلك الحروف الَّتِي بعدها حَتَّى الفاء‏.‏

باب الفاء

قال البصريون ‏"‏مررت بزيد فعمرو‏:‏ الفاء أشركت بَيْنَهما فِي المرور وجعلت الأول مبدوءًا بِهِ‏"‏‏.‏

وكان الأخفش يقول‏:‏ ‏"‏الفاء تأتي بمعنى الواو‏"‏ وأنشد‏:‏

بسِقط اللَّوى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ ***

وخالفه بعضهم فِي هَذَا فقال‏:‏ لَيْسَ فِي جعل الشاعِر الفاء فِي معنى الواو فائدةٌ، ولا حاجة بِهِ إلى أن يجعل الفاءَ فِي موضع الواو ووزنُ الواو كوزن الفاء‏.‏ قال‏:‏ وأصل الفاء أن يكون الَّذِي قبلها علّةً لما بعدها‏.‏ يقال‏:‏ ‏"‏قام زيد فقام الناس‏"‏‏.‏

وزعم الأخفش أن الفاء تُزاد، يقولون‏:‏ ‏"‏أخوك فَجَهدَ‏"‏ يريد أخوك جَهَد، واحتجَّ بقوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏فإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّم‏}‏‏.‏

وَكَانَ قُطْرُب يقول بِقَولِ الأخفش، يقول‏:‏ إن الفاء مثلُ الواو فِي ‏"‏بَيْنَ الدخول فَحَوْمَلِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ولولا أن الفاء بمعنى الواو لفسد المعنى، لأنه لا يريد أن يُصيِّره بَيْنَ الدَّخول أولًا ثُمَّ بَيْنَ حَوْمَل وهذا كثير فِي الشعر‏.‏

وتكون الفاء جوابًا للشرط‏.‏ تقول‏:‏ ‏"‏إن تَأتني فحسَنٌ جميل‏"‏ ومنه قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏والذين كفروا فتعسًا لهم‏}‏ دخلتِ الفاء لأنه جعل الكفر شريطة كَأَنَّه قال‏:‏ ومن كفر فتعسًا لَهُ‏.‏

وأمّا القاف فلا أعلم لَهَا علّة إِلاَّ فِي جعلهم إيّاها عند التعريب مكان الهاء نحو‏:‏ ‏"‏يَلْمَق‏"‏‏.‏

باب الكاف

تقع الكاف مخاطبة‏:‏ للمذكر مفتوحة، وللمؤنث مكسورة‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏لَكَ‏"‏ و‏"‏لَكِ‏"‏‏.‏

وتدخل فِي أول الاسم للتشبيه فتخفض الاسم‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏زيد كالأسد‏"‏ وأهل العربية يقيمونها مقام الاسم ويجعلون لَهَا محلًا من الإعراب، ولذلك يقولون‏:‏ ‏"‏مررت بِكالأسد‏"‏ أرادوا بمثل الأسد‏.‏ وأنشدوا‏:‏

عَلَى كالخنيف السَّحق يدعو بِهِ الصدى *** لَهُ قـلُـبٌ عـادِيَّةٌ وصُـحـــونُ

فأما الكاف فِي قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عليّ‏}‏ فقال البصريون‏:‏ هَذِهِ الكاف زائدة، زيدت لمعنى المخاطَبة‏.‏ قال محمد بن زبد‏:‏ وكذلك رُوَيْدكَ زيدًا‏.‏ قال‏:‏ والدليل عَلَى ذَلِكَ أنّك إذَا قلت أرأيتَكَ زيدًا‏؟‏ فإنما هي أرأيت زيدًا‏؟‏ لأن الكاف لَوْ كَانَتْ اسمًا لاستحال أن تُعَدَّى ‏"‏أرأيت‏"‏ إِلَى مفعولين إِلاَّ والثاني هو الأول‏.‏ يريد قولهم ‏"‏أرأيتَ زيدًا قائمًا‏؟‏‏"‏ لا يتعدى ‏"‏رأيتَ‏"‏ إلى مفعولين إِلاَّ إِلَى مفعول هو ‏"‏زيد‏"‏ ومفعول آخر هو ‏"‏قائم‏"‏ فالأول هو الثاني‏.‏ قال‏:‏ و ‏"‏أرأيتَك زيدًا‏؟‏‏"‏ الثاني غير الكاف، قال‏:‏ وإن أردت رؤية العين لَمْ يتعدّ إِلاَّ إِلَى مفعول واحد‏.‏ قال‏:‏ ومع ذَلِكَ إن فعل الرجل لا يتعدى إِلَى نفسه فيتصل ضميرًا إِلاَّ فِي باب ‏"‏ظَنَنْت‏"‏ و ‏"‏عَلِمْت‏"‏‏.‏ فأمّا ضربتُني وضَرَبْتَك فلا يكون‏.‏ وكذلك إذَا قلت‏:‏ ‏"‏رُوَيْدَكَ زيدًا‏"‏ إنما يُراد ‏"‏أَروِدْ زيدًا‏"‏ قال الزجّاج‏:‏ الكاف فِي هَذَا المكان لا موضع لَهَا لأنها ذكرت فِي المخاطبة توكيدًا‏.‏ وموضع هَذَا نصب ب ‏"‏أرأيتَك‏؟‏‏"‏‏.‏ وقال الكوفيون‏:‏ إن محلّ هَذِهِ الكاف الرفع إذَا قلنا ‏"‏لولاك‏"‏ فهي فِي موضع رفع‏.‏ ثُمَّ نقول‏:‏ ‏"‏لولا أنتَ‏"‏ وإنما صَلَح هَذَا لأن الصورة فِي مثل هَذَا صورة واحدة فِي الرفع والنصب والخفض‏.‏

وتكون الكاف دالة عَلَى البعد‏.‏ تقول‏:‏ ‏"‏ذا‏"‏ فإذا بُعد قلت ‏"‏ذَاكَ‏"‏‏.‏

وتكون الكاف زائدة كقوله‏:‏ ‏"‏لَيْسَ كمثله شيء‏"‏‏.‏

وتكون للعجب نحو‏:‏ ‏"‏مَا رأيت كاليوم ولا جِلْدَ مُخبَّاَة‏"‏‏.‏

باب اللام

اللام‏:‏ تقع زائدة فِي موضعين‏:‏ فِي قولهم ‏"‏عبدل‏"‏ وَفِي قولهم ‏"‏ذَلِكَ‏"‏‏.‏

واللام تكون مفتوحة ومكسورة‏:‏ ففي المفتوحات لام التوكيد وربما قيل لام الابتداء نحو قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏لأَنْتُمْ أشَدَّ رَهْبَةً‏}‏‏.‏ وقال‏:‏

لَلُبْسُ عَبَاءة وتَقرَّ عـينـي *** أحْبُّ إليَّ من لبس الشُّفُوف

وتكون خبرًا ل ‏"‏إن‏"‏‏:‏ إنَّ زيدًا لقائمٌ‏.‏

ولام التوكيد‏:‏ إن هَذَا لأنت‏.‏

وتكون فِي خبر الابتداء نحو‏:‏

أم الحُلَيْس لعجوز شهربه ***

وزعم ناس أنها تقع صِلةً لا اعتبار بِهَا‏.‏ ويزعم أنه اعتبر ذَلِكَ من قراءة بعض القراء ‏{‏إِلاَّ أنّهم لَيأكلون‏}‏ ففتح ‏"‏أن‏"‏ وألغى اللامَ‏.‏ وأنشد بعضُ أهل العربية‏:‏

وأعلمُ علمًا لَيْسَ بالظَّـنّ أنّـهُ *** متى ذَلَّ مولى المرء فهو ذليلُ

وأن لِسان المرء مَا لَمْ تكن لَـهُ *** حصاة عَلَى عوراته لـدلـيل

واللام تكون جوابَ قَسَم ‏"‏والله لأَقومَنَّ‏"‏ وتلزمها النونُ فإن كَانَتْ للماضي لَمْ يُحْتَجْ إِلَى النون ‏"‏والله لَقَامَ‏"‏‏.‏

ولام الاستغاثة نحو قولهم ‏"‏يَا للنَّاس‏"‏ فإن عَطَفْتَ عَلَيْهَا أُخرى كَسَرْتَ‏.‏ يُنشِدون‏:‏

يُبْكيك ناءٍ بعيدُ الدّارِ مُغْتَرِبٌ *** يَا للكهولِ وللشُّبَّانِ والشّيبِ

قال بعض أهل العلم‏:‏ إِن لام الإضافة تجيء لمعان مختلفة‏:‏ منها أن تصَيّرَ المُضاف للمُضَافِ إِلَيْهِ‏.‏ نحو ‏{‏ولله مَا فِي السموات‏}‏‏.‏

ومنها أن تكون سببًا لشيء وعِلةً لَهُ‏.‏ مثل‏:‏ ‏{‏إنّما نُطْعمُكم لِوَجه الله‏}‏‏.‏

ومنها أن تكون إرادة‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏قُمتُ لأَضرب زيدًا‏"‏ بمعنى قمت أريد ضَرْبَهُ‏.‏

ومنها أن تكون بمعنى ‏"‏عند‏"‏ مثل قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي‏}‏ و ‏{‏لدُِلُوكَ الشمس‏}‏ أي عنده‏.‏

ومنها أن تكون بمنزلة ‏"‏فِي‏"‏‏.‏ مثل قوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏{‏لأوَّلِ الحَشْر‏}‏ أي فِي أول الحشر‏.‏

ومنها أن تكون لمرور وقت‏.‏ نحو قول النابغة‏:‏

تَوَهَّمْت آياتٍ لَهَا فعرفتها *** لِسِتَّةِ أعوام وذا العامُ سابعُ

ومنه قولهم‏:‏ ‏"‏غلام لَهُ سنة‏"‏ أي أتتْ عَلَيْهِ سنة‏.‏

وتكون بمعنى ‏"‏بعد‏"‏ مثل قوله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وآله وسلم‏:‏ «صوموا لِرُؤْيته» أي بعد رؤيته‏.‏

وتكون للتخصيص‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏الحمد لله‏"‏ وَفِي الكلام ‏"‏الفصاحة لقريش والصباحة لبني هاشم‏"‏‏.‏

وتكون للتعجب‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏لله دَرُّه‏!‏‏"‏ ويُنشدون‏:‏

لله يبقى عَلَى الأيَّام ذو حِيَدٍ *** بمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيَّانُ والآسُ

ويقولون‏:‏ ‏"‏يَا لِلْعَجَب‏!‏‏"‏ معناه‏:‏ يَا قوم تعالوا إِلَى العجب ولِلْعجب أدعو‏.‏ وَقَدْ تجتمع الَّتِي للنداء والتي للعجب فيقولون‏:‏

ألا يالَ قوم لِطَيْف الخيال *** يُؤَرّقُ من نازِحٍ ذي دلاَل

وتكون للأمر‏.‏ نحو ‏{‏ليَقْضُوا تَفَثَهُمْ‏}‏ وربما حُذفت هَذِهِ فيقولون‏:‏

محمد تَفْدِ نَفسكَ كلُّ نَفْسٍ ***

وقالوا فِي لام الأمر‏:‏ كَانَ الأصل ‏"‏اذهب‏"‏ فلما سقطت الألف لَمْ يوصل إِلَى الفعل إِلاَّ بلام، لأن الساكن لا يُبْدأ بِهِ‏.‏

وقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبينًا لِيغْفَر لَكَ الله‏}‏ فقال قائل‏:‏ لِمَ جاز أن تكون المَغْفِرة جزاءً لِما امُتَنَّ بِهِ عَلَيْهِ وهو قوله‏:‏ ‏{‏إنا فتحنا لَكَ فتحًا‏}‏‏؟‏ فالجواب من وجهين‏:‏ أحدهما أن الفتح وإن كَانَ من الله جلَّ ثناؤه فكل فعل يفعله العبد من خير فالله الموفق لَهُ والمُيَسّر، ثُمَّ يجازي عَلَيْهِ، فتكون الحسنة من العبد مِنةً من الله جلّ وعزّ عَلَيْهِ‏.‏ وكَذلك جزاؤه لَهُ عنها منه‏.‏ والوجه الآخر أن يكون قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏إِذَا جاء نَصرُ اللهِ والفتحُ ورأيتَ النَّاس يَدخُلون فِي دين الله أفْواجًا فَسَبّح بحمدِ ربّكَ واسْتَغْفِره‏}‏ فأمَرَهُ بالاستغفار إِذَا جاء الفتح، فكأنه أعلمه أنه إِذَا جاء الفتح واستغفر غفر لَهُ مَا تقدم من ذنبه وَمَا تأخر، فكأن المعنى عَلَى هَذَا الوجه‏:‏ إنا فتحنا لَكَ فتحًا مبينًا، فإذا جاء الفتح فاستغفر ربك ليغفر لَكَ الله مَا تقدم من ذنبك وَمَا تأخر‏.‏ وقال قوم‏:‏ فتحنا لَكَ فِي الدّين فتحًا مبينًا لتهتدي بِهِ أنت والمسلمون فيكون ذَلِكَ سببًا للغفران‏.‏

ومن اللامات لام العاقبة‏.‏ قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًّا وحَزَنًا‏}‏ وَفِي أشعار العرب ذَلِكَ كثير‏:‏

جاءت لتُطعمَه لحما ويَفْجَعَـهـا *** بابنٍ فقد أطعمت لحمًا وَقَدْ فجعا

وهي لَمْ تجيء لذلك، كما أنهم لَمْ يلتقطوه لذلك، لكن صارت العاقبة ذَلِكَ‏.‏

ومن الباب قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏ربَّنا لِيَضلُّوا عن سَبِيلِكَ‏}‏ أي‏:‏ أتيتَهم زينةَ الحياة فأصارهم ذَلِكَ أن ضلُّوا‏.‏ وكذلك قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏فَتَنَّا بعضهم ببعض ليقولوا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ هي لام العاقبة‏.‏

وتكون زائدة‏.‏ ‏{‏هم لِرَبّهم يَرْهَبُون‏}‏ و ‏{‏للرُّؤْيا تَعْبُرون‏}‏‏.‏

باب زيادة الميم

والميم تزاد أولى فِي مثل‏:‏ مُفْعَل ومِفْعَل ومَفْعَل وغير ذَلِكَ‏.‏

وتزاد فِي أواخر الأسماء‏.‏ نحو‏:‏ زُرْقُم وشَدْقم‏.‏

باب زيادة النون

وتزاد أولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة‏.‏

فالأولى‏:‏ ‏"‏نَفْعَل‏"‏‏.‏ وقالوا‏:‏ ‏"‏نَرْجِس‏"‏ وَلَيْسَ نرجس من كلام العرب، والنون لا تكون بعدّها راء‏.‏

والثانية‏:‏ نحو‏:‏ ‏"‏ناقةٌ عَنْسَلٌ‏"‏‏.‏

والثالثة‏:‏ فِي ‏"‏قَلَنْسُوَة‏"‏‏.‏

والرابعة‏:‏ فِي ‏"‏رَعْشن‏"‏‏.‏

والخامسة‏:‏ فِي ‏"‏صَلتَان‏"‏‏.‏

والسادسة‏:‏ فِي ‏"‏زَعْفَرَان‏"‏‏.‏

وتكون فِي أول الفعل للجمع‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏نخرج‏"‏‏.‏

وعلامة للرفع فِي ‏"‏يخرجان‏"‏ فإذا قلنا الرجلان فقال قوم هي عوض من الحركة والتنوين‏.‏ وقال آخرون‏:‏ هي فرق بَيْنَ الواحد المنصوب والاثنين المرفوعين‏.‏

وتقع فِي الجمع نحو‏:‏ ‏"‏مسلمون‏"‏ وربما سقطت فقالوا‏:‏

الحافظو عورة العشيرة

وتكون ثانية فعل المطاوعة نحو‏:‏ ‏"‏انكسر‏"‏ و ‏"‏بَغيْتهُ فانْبغى‏"‏‏.‏

وتكون للتأكد مُخَفَّفة ومُثقَّلَة‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏اضْرِبْنَ‏"‏ و ‏"‏اضْرِبنَّ‏"‏ إِلاَّ أنها تقلب عند التخفيف فِي الكتاب ألفًا‏.‏ نحو‏:‏ ‏{‏لَنَسْفعًا‏}‏‏.‏

وتكون للمؤنثة‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏تفعلين‏"‏ وللجماعة ‏"‏تفعلن‏"‏‏.‏

وتُلحق آخر الاسم فِي ‏"‏زيدٌ خرج‏"‏ فَرْق بَيْنَ المفرد والمضاف‏.‏

ويقولون‏:‏ فرقًا بَيْنَ مَا يجري وَمَا لا يجري‏.‏ وقالت الجماعة إنما اختيرت النون لأنها أشبه بحروف الإعراب من جهة الغُنَّة‏.‏

وَمَما تختص بِهِ النون من بين سائر الحروف انقلابُها فِي اللفظ إِلَى غير صورتها ضرورة، وذلك إِذَا كَانَتْ ساكنة وجاءت بعدها باء تنقلب ميمًا ‏"‏عنْبر‏"‏ و ‏"‏شَنْباء‏"‏‏.‏

باب زيادة الهاء

تُزَاد فِي ‏"‏يَا زَيْداه‏"‏ وَفِي ‏"‏سُلْطَانيهُ‏"‏ وهم يسمونها استراحة وبيان حركة‏.‏ وللوقف عَلَى الكلمة نحو‏:‏ ‏"‏عِهْ‏"‏ و ‏"‏شِهْ‏"‏ و ‏"‏اقْتدِه‏"‏‏.‏

باب الواو

لا تكون الواو زائدةً أولى وَقَدْ تزاد ثانيةً وثالثة ورابعة وخامسة‏.‏

فالثانية نحو‏:‏ ‏"‏كوثر‏"‏ والثالثة نحو‏:‏ ‏"‏جدول‏"‏‏.‏ والرابعة نحو‏:‏ ‏"‏قَرنُوة‏"‏‏.‏ والخامسة نحو‏:‏ ‏"‏قَمَحْدُوة‏"‏‏.‏

وتكون للنَّسَق، وهو العطف، نحو‏:‏ ‏"‏زيد وعمرو‏"‏‏.‏

وتكون علامةَ رفع نحو‏:‏ ‏"‏أخوك والمسلمون‏"‏‏.‏

فإذا قالوا‏:‏ ‏"‏يُعجبني ضَربُ زيدٍ وتَغْضَبَ‏"‏ فقال قوم‏:‏ نُصِبَ ‏"‏تَغْضبَ‏"‏ عَلَى إِضمار ‏"‏أنْ‏"‏ معناه وأن تغضب فيصيرُ فِي معنى المصدر‏.‏ كأنك قلتَ ‏"‏يعجبني ضَرْبُ زيد وغضَبُك‏"‏ فتخرج بذلك من أن تكون ناسِقَةً فعلًا عَلَى اسم‏.‏ ويقولون‏:‏

للُبْس عباءة وتَقَرَّ عيني

بمعنى وأن تقرّ عيني‏.‏ فإن نَسَقْت فعلًا عَلَى فعل مجموعين فإعرابهما واحد هو ‏"‏يقوم ويضرب زيدًا‏"‏ فإن لَمْ تُرِد الجمعَ بَيْنَهما نصبتَ الثاني فيقال نَصبَ بإضمار ‏"‏أنْ‏"‏ يقولون‏:‏ ‏"‏لا تأكلِ السمك وتشربَ اللبنَ‏"‏ و‏:‏

لا تَنْهَ عن خُلُق وتَأتيَ مِثْلَهُ ***

وتكون بمعنى الباء فِي القَسَم نحو‏:‏ ‏"‏والله‏"‏‏.‏

وتكون الواو مُضْمَرَة فِي مثل قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولا عَلَى الذينَ إِذَا مَا أتَوْكَ لِتَحْمِلهم قلت لا أجِدُ مَا أَحْملُكم عَلَيْهِ تولوْا‏}‏ التأويل‏:‏ ولا عَلَى الذين - إِذَا مَا أَتوك لتحملهم وقلت‏:‏ لا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ - تولوا‏.‏ فجواب الكلام الأول تولّوا‏.‏

وتكون بمعنى ‏"‏رُبّ‏"‏‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏وَقَاتِم الأعْماقِ‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏

وتكون بمعنى ‏"‏مَعَ‏"‏ كقولهم ‏"‏اسْتَوى الماءُ والْخشَبة‏"‏ أي مع الخشبة وأهل البصرة يقولون فِي قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فأجْمعوا أمْرَكم وشُركاءَكم‏}‏ معناها مع شركائكم‏.‏ كما يقال ‏"‏لو تُركت الناقة وفَصيلها‏"‏ أي مع فصيلها‏.‏

وقال آخرون‏:‏ أجْمِعوا أمركم وادعوا شركاءكم، اعتبارًا بقوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏{‏وادعوا من استطعتم‏}‏‏.‏

وتكون صِلةً زائدةً كقوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏{‏إِلاَّ ولَهَا كتابَ معلوم‏}‏ المعنى إِلاَّ لَهَا‏.‏

وتكون بمعنى ‏"‏إِذ‏"‏ كقوله جلّ وعزَ‏:‏ ‏{‏وطائفةٌ قَدْ أهَمَّتْهُم‏}‏ يريد إذ طائفة‏.‏ وتقول ‏"‏جيئت وزيدٌ راكب‏"‏ أي إذ زيد‏.‏

وقال قوم‏:‏ للواو معنيان‏:‏ معنى اجتماع ومعنى تفرُّق نحو‏:‏ ‏"‏قام زيد وعمرو‏"‏‏.‏ وإن كَانَتْ الواو فِي معنى اجتماع لَمْ تُبَل بأيّهما بَدأتَ‏.‏ وإن كَانَتْ فِي معنى تَفَرُّق فعمرو قائم بعد زيد‏.‏

وذهب آخرون إِلَى أن الواو لا تكون إِلاَّ للجمع‏.‏ قالوا‏:‏ إِذَا قلت‏:‏ ‏"‏قام زيد وعمرو‏"‏ جاز أن يكون الأمر وقع منهما جميعًا معًا فِي وقت واحد وجاز أن يكون الأول تقدم الثاني، ونكتة بابِها أنَّها للجمع‏.‏

وتكون الواو عَطْفاُ بالبناء عَلَى كلام يُتَوَهَّم، وذلك قولك - إِذَا قال القائل ‏"‏رأيتُ زيدا عند عمرو‏"‏ - قلتَ أنتَ ‏"‏أَوْ هو ممن يُجالسه‏؟‏‏"‏‏.‏

قال البصريون‏:‏ معناهُ كَأَنَّ قائلًا قال‏:‏ ‏"‏هو ممن يجالسه‏"‏ فقلتَ أنت ‏"‏أوَ هو كذاك‏؟‏‏"‏‏.‏

وَفِي القرآن‏:‏ ‏{‏أوَ أمِنَ أهلُ القُرى‏}‏‏.‏

وكذلك قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏إِنَّا لَمَبْعوثُون أوَ آباؤنا الأولون‏}‏ فليس بأو إنما هي واو عطف دخل عَلَيْهَا ألف الاستفهام كأنه لما قيل لهم ‏"‏إنكم مبعوثون وآباؤكم‏"‏ استفهموا عنهم‏.‏

وتكون الواو مُقحَمةً كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنثْ‏}‏ أراد - والله أعلم - فاضرب بِهِ لا تحنث، جزمًا عَلَى جواب الأمر، وَقَدْ تكون نهيًا والأول أجود‏.‏ وكذلك ‏{‏مكنّا ليوسُفَ فِي الأرض ولِنُعلّمِهُ‏}‏ أراد ‏{‏لنعلمه‏}‏ وَقَدْ قيل‏:‏ ‏"‏ولنعلمه فعلنا ذَلِكَ‏"‏‏.‏ وكذلك ‏{‏وحِفْظًا من كل شيطان‏}‏ أي ‏"‏وحفظًا فعلنا ذَلِكَ‏"‏‏.‏ وقوله‏:‏

فَلمَّا أجَزْنا ساحة الحيِّ وانْتَحى ***

قيل‏:‏ هي مُقْحَمة‏.‏ وقيل‏:‏ معناه أجزنا وانتحى‏.‏

باب الياء

الياء‏:‏ تُزاد أولى وثانيةً وثالثة ورابعة وخامسة‏.‏

فالأولى ‏"‏يَرْمعٌ‏"‏ و ‏"‏يرْبوعٌ‏"‏‏.‏ والثانية ‏"‏حَيْدَرٌ‏"‏‏.‏ والثالثة ‏"‏خَفَيدَدٌ‏"‏‏.‏ والرابعة ‏"‏إِصلِيتٌ‏"‏‏.‏ والخامسة ‏"‏ذَفاري‏"‏‏.‏

وتكون أولى فِي الأفعال نحو‏:‏ ‏"‏يضرب‏"‏‏.‏

وللإضافة نحو‏:‏ ‏"‏عِبَادي‏"‏‏.‏

وللتثنية والجمع نحو‏:‏ ‏"‏الزَّيْدَين‏"‏ و ‏"‏الزَّيْدِينَ‏"‏‏.‏

وتكون علامة للخَفْض نحو‏:‏ ‏"‏أخيك‏"‏‏.‏

وللتَّأنيث نحو‏:‏ ‏"‏استَغْفرِي‏"‏‏.‏

وللتَّصْغير نحو‏:‏ ‏"‏بُيَيْتٌ‏"‏‏.‏

وللنَّسَب نحو‏:‏ ‏"‏كُوفِّي‏"‏‏.‏

باب القول عَلَى الحروف المفردة الدَّالَّةِ عَلَى المعنى

وللعرب الحروف المفردة الَّتِي تدلُّ عَلَى المعنى‏.‏ نحو التاء فِي ‏"‏خَرَجْتُ‏"‏ و‏"‏خَرَجْتَ‏"‏‏.‏ ونحو الياء و‏"‏ثَوْبي‏"‏ و‏"‏فَرَسي‏"‏‏.‏

ومنها حروف تدلّ عَلَى الأفعال نحو‏:‏ ‏"‏إزيدًا‏"‏ أي عِدْهُ‏.‏ و‏"‏ح‏"‏ من وحَيتُ‏.‏ و‏"‏دِ‏"‏ من وَدَيْتُ و‏"‏ش‏"‏ من وَشيْتُ و‏"‏عِ‏"‏ من وَعَيْتُ و‏"‏فِ‏"‏ من وَفَيْتُ و‏"‏قِ‏"‏ من وَقَيْتُ و‏"‏لِ‏"‏ من وَلِيْتُ و‏"‏نِ‏"‏ من وَنَيْتُ و‏"‏هِ‏"‏ من وهيت‏.‏ إلا أنَّ حذّاق النحويين يقولون فِي الوقف عَلَيْهَا ‏"‏شِهْ‏"‏ و‏"‏دِهْ‏"‏ فيقفون عَلَى الهاء‏.‏

ومن الحروف مَا يكون كناية ولَهُ مواضع من الإعراب نحو قولك‏:‏ ‏"‏ثوبه‏"‏ فالهاء كنايةٌ لَهَا محلٌ من الإعراب‏.‏

ومنه مَا يكون دَلالةً ولا محلّ لَهُ مثل ‏"‏رأيتها‏"‏ فالهاء اسم لَهُ محل والميم والألف علامتان لا محلّ لهما، فعلى هَذَا يجيء الباب‏.‏

فأمّا الحروف الَّتِي فِي كتاب الله جلّ ثناؤه فواتحَ سور فقال قوم‏:‏ كل حرف منها مأخوذ من اسم من أسماء الله، فالألف من اسمه ‏"‏الله‏"‏ واللام من ‏"‏لطيف‏"‏ والميم من ‏"‏مجيد‏"‏‏.‏ فالألف من آلاءه واللام من لطفه والميم من مجده‏.‏ يُروَى ذا عن ابن عباس وهو وجه جيِّد، وَلَهُ فِي كلام العرب شاهد، وهو‏:‏

قلنا لَهَا قفي فقالت قاف

كذا ينشد هذا الشطر، فعبّر عن قولها‏:‏‏"‏وقفت‏"‏ ب ‏"‏قاف‏"‏‏.‏

وقال آخرون‏:‏ إن الله جلّ ثناؤه أقسم بهذه الحروف أن هَذَا الكتاب الَّذِي يقرأه محمد صلى الله عليه وسلم الله تعالى عَلَيْهِ وسلم هو الكتاب الَّذِي أنزله الله جلّ ثناؤه لاشك فِيهِ‏.‏ وهذا وجه جيد، لأن الله جلّ وعز دل عَلَى جلالة قدر هَذِهِ الحروف، إذ كَانَتْ مادَّة البيان ومباني كتب الله عزّ وجلّ المنزلة باللغات المختلفة، وهي أصول كلام الأمم، بِهَا يتعارفون، وبها يذكرون الله جلّ ثناؤه‏.‏ وَقَدْ أقسم الله جل ثناؤه فِي كتابه بالفجر والطور وغير ذلك، فكذلك شأنُ هَذِهِ الحروف فِي القسم بِهَا‏.‏

وقال قوم‏:‏ هَذِهِ الأحرف من التسعة وعشرين حرفًا دارَتْ بِهَا الألْسِنة، فليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه جلّ وعزّ، وَلَيْسَ منها حرف إلا هو فِي آلائه وبلائه، وَلَيْسَ منها حرف إلا وهو فِي مدة أقوام وآجالهم‏:‏ فالألف سنة واللام ثلاثون سنة والميم أربعون‏.‏ رواه عبد الله بن جعفر الرازي عن أبيه عن الرّبيع بن أنس وهو قول حَسَنٌ لطيف، لأنّ الله جلّ ثناؤه أنزل عَلَى نبيه محمد صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم الفرقان فلم يدع نظمًا عجيبًا ولا علمًا نافعًا إلا أودعه إيَّاهُ، عَلِم ذَلِكَ من عَلمَهُ وَجهِلهُ مَن جَهِلهُ‏.‏ فليس مُنْكرًا أن ينزل الله جلّ ثناؤه هَذِهِ الحروف مشتملة مع إيجازها عَلَى مَا قاله هؤلاء‏.‏ وقولٌ رُوِي عن ابن عباس فِي ‏{‏ألم‏}‏‏:‏ أنا الله أعلم‏.‏ وَفِي ‏{‏ألمص‏}‏‏:‏ أنا الله أعلم وأفضل‏.‏ وهذا وجه يقرب مما مضى ذكره من دَلالة الحرف الواحد عَلَى الاسم التامّ والصفة التامّة‏.‏

وقال قوم‏:‏ هي أسماء للسُّور ف ‏{‏ألم‏}‏ اسم لهذه و‏{‏حم‏}‏ اسم لغيرها‏.‏ وهذا يُؤثَرُ عن جماعة من أهل العلم، وذلك أن الأسماء وضِعَت للتمييز، فكذلك هَذِهِ الحروف فِي أوائل السُّوَر موضوعة لتمييز تِلْكَ السُّور من غيرها‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فقد رأينا ‏{‏ألم‏}‏ افتتح بِهَا غير سورة، فأين التمييز‏؟‏ قلنا‏:‏ قَدْ يقع الوفاق بَيْنَ اسمين لشخصين، ثُمَّ يميز مَا يجيء بعد ذَلِكَ من صفة ونعت كما قيل ‏"‏زيد وزيد‏"‏ ثُمَّ يميزان بأن يقال‏:‏ ‏"‏زيد الفقيهُ‏"‏ و‏"‏زيد العربيُّ‏"‏ فكذلك إذا قرأ القارئ ‏"‏ألم ذَلِكَ الكتاب‏"‏ فقد مّيزها عن الَّتِي أولها ‏{‏ألم الله لا إله إلا هو‏}‏‏.‏

وقال آخرون‏:‏ لكل كتاب سرٌّ وسرّ القرآن فواتح السور‏.‏ وأظنّ قائل هَذَا أوراد أن ذَلِكَ من السرّ لا يعلمه إلا الخاص من أهل العلم والراسخون فِيهِ‏.‏

وقال قوم‏:‏ إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فِيهِ وقال بعضهم لبعض ‏{‏لا تسمعوا لهذا القرآن والغَوا فِيهِ‏}‏ فأنزل الله تبارك وتعالى هَذَا النظم ليتعجبوا منه، ويكون تعجبهم من سببًا لاستماعهم، وأسماعهم لَهُ سببًا لاستماع مَا بعده، فترق حينئذ القلوب وتلين الأفئدة‏.‏

وقول آخر‏:‏ إن هَذِهِ الحروف ذكرت لتدل عَلَى أن القرآن مؤلف من الحروف الَّتِي هي أ ب ت ث فجاء بعضها مقطعًا وجاء تمامها مؤلفا ليدل القوم الذين نزل القرآن فيما بَيْنَ ظهريهم أنه بالحروف الَّتِي يعقلونها فيكون ذَلِكَ تقريعًا لهم ودلالة عَلَى عجزهم عن أن يأتوا بمثله بعد أن أعلموا أنه منزل بالحروف الَّتِي يعرفونها ويبنون كلامها منها‏.‏

قال أحمد بن فارس‏:‏ وأقرب القول فِي ذَلِكَ وأجمعه قول بعض علمائنا‏:‏ إن أولى الأمور أن تُجعل هَذِهِ التأويلات كلّها تأويلًا فيقال‏:‏ إن الله جلّ وعزّ افتتح السور بهذه الحروف إرادةً منه الدلالة بكل حرف منها عَلَى معان كثيرة لا عَلَى معنىً واحد منها مأخوذًا من اسم من أسماء الله جلّ ثناؤه، وأن يكون الله جل ثناؤه قَدْ وضعها هَذَا الموضع قَسَمًا بها، وأن كل حرف منها فِي آجال قوم وأرزاق آخرين، وهي مع ذَلِكَ مأخوذة من صفات الله جلّ وعزّ فِي أنعامه وأفضاله ومجده، وأن الافتتاح بِهَا سبب لأن يستمع إلى القرآن من لَمْ يكن يستمع، وأن فِيهَا أعلامًا للعرب أن القرآن الدال عَلَى صحة نبوّة محمد صلى الله تعالى وسلم هو بهذه الحروف، وأن عجزهم عن الإتيان بمثله مع نزوله بالحروف المتعالمة بينهم دليل عَلَى كذبهم وعنادهم وجحودهم، وأن كلّ عدد منها إذا وقع فِي أول سورة فهو اسم لتلك السورة‏.‏

وهذا هو القول الجامع للتأويلات كلّها من غير اطراح لواحد منها، وإنما قلنا هَذَا لأن المعنى فِيهَا لا يمكن استخراجه عقلًا من حَيْثُ يزول بِهِ العذر، لأن المرجع إلى أقاويل العلماء، ولن يجوز لأحد أن يعترض عليهم بالطعن وهم من العلم بالمكان الَّذِي هم بِهِ ولهم مع ذَلِكَ فضيلة التقدم ومزية السبق‏.‏ والله أعلم بما أراد من ذَلِكَ‏.‏

باب الكلام فِي حروف المعنى

رأيتُ أصحابنا الفقهاء يضمّنون كتبهم فِي أصول الفقه حروفًا من حروف المعاني، وَمَا أدري مَا الوجه فِي اختصاصهم إيّاها دون غيرها‏.‏ فذكرت عامّة حروف المعاني رسمًا واختصارًا، فأوّل ذَلِكَ مَا كَانَ أوله ألف‏:‏

باب أم

أم‏:‏ حرف عطف نائب عن تكرير الاسم أو الفعل نحو‏:‏ ‏"‏أزيد عندك أم عمرو‏؟‏‏"‏‏.‏

ويقولونك ربمّا جاءت لقطع الكلام الأوّل واستئناف غيره، ولا يكون حينئذ من باب الاستفهام‏.‏ يقولون‏:‏ ‏"‏إنّها الإبِلٌ أم شاء‏"‏‏.‏ ويكون ههنا فِي قول بعضهم بمعنى ‏"‏بل‏"‏ كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أم يقولون شاعر‏}‏ وينشدون‏:‏

كذبتك عينك أم رأيت بواسـط *** غلس الظلام من الرّباب خيالا

وقال أهل العربية‏:‏ أمررت برجل أم امرأة ‏"‏أم‏"‏ تُشرك بينهما كما أشركت بينهما ‏"‏أو‏"‏‏.‏

وقال آخرون‏:‏ فِي ‏"‏أم‏"‏ معنى العطف، وهي استفهام كالألف إلاّ أنها لا تكون فِي أول الكلام لأن فِيهَا معنى العطف‏.‏

وقال قوم‏:‏ هي ‏"‏أو‏"‏ أبدلت الميم من الواو لتحول إلى معنى، يريد إلى معنى ‏"‏أو‏"‏ وهو قولك فِي الاستفهام ‏"‏أزيد قام أم عمرو‏؟‏‏"‏ فالسؤال عن أحدهما بعينه‏.‏ ولو جيئت ب ‏"‏أو‏"‏ لسألت عن الفعل‏.‏ وجواب أو ‏"‏لا‏"‏ أو ‏"‏نعم‏"‏ وجواب أم ‏"‏فلان‏"‏ أم ‏"‏فلان‏"‏‏.‏

وقال أبو زيد‏:‏ العرب تزيد ‏"‏أم‏"‏‏.‏ وقال قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏أم أنا خيرٌ من هَذَا الَّذِي هو مَهِينٌ‏}‏ معناه ‏"‏أنا خير‏"‏‏.‏

وَكَانَ سيبويهِ يقول‏:‏ ‏{‏أفلا تبصرون‏}‏‏:‏ أم أنتم بصراء‏.‏

وَكَانَ أبو عُبَيْدة يقول‏:‏ ‏"‏أم‏"‏ يأتي المعنى ألف الاستفهام كقوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏أم تريدون أن تسألوا رسولكم‏}‏‏؟‏ بمعنى ‏"‏أتريدون‏"‏‏؟‏‏.‏

وقال أبو زكريا الفرّاء‏:‏ العرب تجعل ‏"‏بل‏"‏ مكان ‏"‏أم‏"‏ وأم مكان بل‏.‏ إذا كَانَ فِي أول الكلمة استفهام‏.‏ فقال‏:‏

فوالله مَا أدري أسلمى تغوّلتْ *** أم النومُ أم كلٌّ إليَّ حبـيب

معناه ‏"‏بل‏"‏‏.‏

فأما قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أم حَسِبْتَ أن أصحابَ الكَهْفِ والرَّقيمِ كانوا من آياتنا عجبًا‏}‏‏؟‏ فقيل‏:‏ أظننت يَا محمد هَذَا، ومن عجائب ربك جل وعزّ مَا هو أعجب من قصة أصحاب الكهف‏؟‏ وقال آخرون‏:‏ ‏"‏أم‏"‏ بمعنى ألف الاستفهام كأنه قال‏:‏ ‏"‏أحَسِبْت‏"‏‏؟‏ و‏"‏حسبت‏"‏ بمعنى ‏"‏علمت‏"‏ ويكون الاستفهام فِي ‏"‏حسبت‏"‏ بمعنى الأمر كما تقول لمن تخاطبه ‏"‏أعلمت أن زيدًا خرج‏"‏‏؟‏ بمعنى أمر أي اعلم أن زيدًا خرج‏.‏ قال‏:‏ فعلى هَذَا التدريج يكون تأويل الآية‏:‏ إعلم يَا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبًا‏.‏

باب أَوْ

أو‏:‏ حرف عطف يأتي بعد الاستفهام للشكّ‏:‏ ‏"‏أزيد عندك أو بكر‏؟‏‏"‏ تريد ‏"‏أحدهما عندك‏؟‏‏"‏ فالجواب ‏"‏لا‏"‏ أو ‏"‏نعم‏"‏‏.‏ وإذا جعلت مكانها ‏"‏أم‏"‏ فأنت مثبت أحدهما غير أنّك شاكٌ فِيهِ بعينه فتقول‏:‏ ‏"‏أزيد عندك أم عمرو‏"‏ فالجواب ‏"‏زيد‏"‏ أم ‏"‏عمرو‏"‏‏.‏

وتكون ‏"‏أو‏"‏ للتخير كقوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏فإطعامُ عشرة مَسَكينَ من أوْسَط مَا تُطعمِون أهْلِيكم أو كِسْوتُهم أو تَحْرِيرُ رَقبة‏}‏‏.‏

وتكون للإباحة تقول‏:‏ ‏"‏خذ ثوبًا أو فرَسًا‏"‏‏.‏

وأما قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولا تُطِعْ منهم آثِمًا أو كَفُورا‏}‏ فقال قوم‏:‏ هَذَا يُعارَض ويُقابَلُ بِضدّه فيصح المعنى ويبين المراد، وذلك أنّا نقول‏:‏ ‏"‏أطِعْ زيدًا أو عمرًا‏"‏ فإنما نريد أطع واحدًا منهما، فكذا إذا نَهَيْناه وقلنا ‏"‏لا تطع زيدًا أو عمرًا فقد قلنا لا تُطع واحدًا منهما‏.‏

وقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏إلى مائة ألف أو يزيدون‏}‏ فقال قوم‏:‏ هي بمعنى الواو ‏"‏ويزيدون‏"‏‏.‏ وقال آخرون‏:‏ بمعنى ‏"‏بل‏"‏‏.‏ وقال قوم‏:‏ هي بمعنى الإباحة كأنه قال‏:‏ إذا قال قائل‏:‏ ‏"‏هم مائة ألف‏"‏ فقد صدق‏.‏ وقول القائل‏:‏ ‏"‏مررت برجل أو امرأة‏"‏ فقد أشركَتْ ‏"‏أو‏"‏ بينهما فِي الخفض وأثبتت المرور بأحدهما دون الآخر‏.‏

وتكون ‏"‏أو‏"‏بمعنى ‏"‏إلاّ أنْ‏"‏ تقول ‏"‏لألومنَّك أو تُعطيني حقي‏"‏ بمعنى إلاّ أن تعطيني‏.‏ قال امرؤ القيس‏:‏

فقلتُ لَهُ لا تبك عينُكَ إنَّمـا *** نُحاول مُلكًا أو نموتُ فنُعذرا

وزعم قوم أن ‏"‏أو‏"‏ تكون بمعنى الواو ويقولون‏:‏ كل حق لَهَا داخل فِيهَا أو خارج منها، وكل حق سميّناه فِي هَذَا الكتاب أو لَمْ نسمه وإن شئتَ قلت بالواو وأنشدوا‏:‏

فذلكما شهرين أو نصفَ ثالث *** إلى ذاكما مَا غَيَّبتني غيابـيا

وَكَانَ الفرّاء يقولون‏:‏ فِي ‏{‏مائة ألف أو يزيدون‏}‏‏:‏ بل يزيدون وقال بعض البصريين منكرًا لَهَا‏:‏ لو وقعت ‏"‏أو فِي هَذَا الموضوع موقع ‏"‏بل‏"‏ لجاز أن تقع فِي غير هَذَا الموضع وكنا نقول ‏"‏ضربت زيدًا أو عمرًا‏"‏ عَلَى غير الشك لكن بمعنى ‏"‏بل‏"‏، وهذا غير جائز قالوا‏:‏ ووجه آخر أنَّ بل تأتي للإضراب بعد غلط أو نسيان وهذا منفي عن الله جل ثناؤه فإن أتي ثناؤه بها بعد كلام قد سبق من، وهذا غير القائل فالخطأ إنما لحِقَ كلام الأول نحو قَوله جلّ‏:‏ ‏{‏وقالوا اتخَذ الرَّحمن وَلَدًا‏}‏ فهم أخطأوا فِي هَذَا وكفروا بِهِ فقال جلّ وعزّ‏:‏ ‏{‏بل عباد مكرمون‏}‏‏.‏ وزعم قوم أن معناها ‏"‏أو يزيدون عَلَى ذَلِكَ‏"‏‏.‏

قلنا‏:‏ والذي قاله الفراء فقول قَدْ تقدمه فِيهِ ناس‏.‏ وقول من قال‏:‏ أن ‏"‏بل‏"‏ لا يكون إلاّ إضرابًا بعد غلط أو نسيان فخطأ، لأن العرب تُنشد‏:‏

بل مَا هاج أحزانًا وشجوًا قَدْ شجا *** وهذا لَيْسَ من المعنيين فِي شيء

فأما قوله‏:‏ ‏{‏أو أشَدُّ قَسْوةً‏}‏ وَمَا أشبهه من قوله عزّ وجل ‏{‏كلمح البصر أو هو أقرب‏}‏ أن المخاطب يعلمه، لكنه أبهمه عَلَى المخاطَب وطواه عنه‏.‏ وقال آخرون‏:‏ بعضهما كالحجارة وبعضهما أشدَّ قسوة‏.‏ أي هي ضربان‏:‏ ضرب كذا أو ضرب كذا‏.‏

باب إي وأي

إي‏:‏ فِي زعم أهل اللغة يكون بمعنى ‏"‏نعم‏"‏ تقول ‏{‏إي وربّي‏}‏ أي ‏"‏نعمْ وربّي‏"‏ قال الله جل ثناؤه ‏{‏وَيستنبؤُنكَ أحقٌ هو قل إي وربي‏}‏ وأي‏:‏ معناها ‏"‏يقول‏"‏ ومثال ذَلِكَ أن تقول فِي تفسير‏:‏ ‏{‏لا ريب فِيهِ‏}‏‏:‏ ‏"‏أي لا شك فِيهِ‏"‏، المعنى يقول لا شك فِيهِ‏.‏

وسمعتُ أبا بكر أحمد بن عليّ بن إسماعيل الناقد يقول سمعت أبا إسحاق الحربيّ يقول سمعت عمر بن أبي عمرو الشَّيْبانِيّ يقول‏:‏ سألت أبي عن قولهم ‏"‏أي‏"‏ فقال‏:‏ كلمةٌ للعرب تُشيِرُ بِهَا إلى المعنى‏.‏

باب إنَّ وأنَّ وإنْ وأَنْ

قال ‏"‏الفَرّاء‏"‏‏:‏ ‏"‏إنَّ‏"‏ مقدرة لقسم متروك استُغْنيَ بِهَا التقدير‏:‏ ‏"‏والله إنّ زيدًا عالمٌ‏"‏‏.‏ وَكَانَ ثعلب يقول‏:‏ ‏"‏إن زيدًا لقائم‏"‏ هو جواب مَا زيد بقائم ف ‏"‏إنّ‏"‏ جواب ‏"‏مَا‏"‏ و‏"‏اللام‏"‏ جواب ‏"‏الباء‏"‏‏.‏ وَكَانَ بعض النحويين يقولون‏:‏ ‏"‏إنّ‏"‏ مُضارِعَة للفعل لفظًا ومعنىً‏:‏ أما اللفظ فللفتحة فِيهَا كما تقول ‏"‏قامَ‏"‏‏.‏ والمعنى فِي ‏"‏أن زيدًا قائم‏"‏‏:‏ ثبت عندي هَذَا الحديث‏.‏ وقال سيبويه‏:‏ سألت الخليل عن رجل سميناه ب ‏"‏إن‏"‏ كَيْفَ إعرابه‏؟‏ قال‏:‏ بفتح الألف لأنه يكون كالاسم، وإذا كَانَ بكسر الألف لكان كالفعل والأداة، ولذلك نُصب فِي ذاته لأنه كالفعل ومعناه التثبيت للخبر الَّذِي بعده، ولذلك نصب بِهِ الاسم الَّذِي يليه‏.‏ ومما يدل على أن ‏"‏إن‏"‏ للتثبيت قول القائل‏:‏

إن مَحَـلًا وإنَّ مُـرتَـحَـلا *** وإنَّ فِي السَّفْرِ مَا مضوا مَهَلا

ونكون ‏"‏إن‏"‏‏:‏ بمعنى ‏"‏لَعَلّ‏"‏ فِي قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَمَا يشعركم أنّها إذا جاءت‏}‏ بمعنى ‏"‏لعلَّها إذا جاءت‏"‏‏.‏ وحكى الخليل‏:‏ ‏"‏إئتِ السوقَ أنْكَ تشتري لَنَا شيئًا‏"‏ بمعنى ‏"‏لعلَّك‏"‏‏.‏

و‏"‏أنّ‏"‏ إذا كَانَتْ اسمًا كَانَتْ فِي قولك ‏"‏ظننت أو زيدًا قائم‏"‏ فيكون ‏"‏أن‏"‏ والذي بعدها قصةً وشأنًا، نحو‏:‏ ‏"‏ظننت ذَاكَ‏"‏ فيكون محلّه نصبًا، وإذا قلْت ‏"‏بلغني أن زيدًا عالمٌ‏"‏ فهذا فِي موضع رفع‏.‏ وإذا قلنا ‏"‏عجبت من أنّ زيدًا كلّمكَ‏"‏ فمحله خفض عَلَى مَا رتبناه من أنه اسم‏.‏

وأما ‏"‏إن‏"‏ك فإنها تكون شرطًا، تقول‏:‏ ‏"‏إن خرجتَ خرجتُ‏"‏‏.‏ وتكون نفيًا كقوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏{‏إنِ الكافرون إلا فِي غُرور‏}‏ وكقول الشاعر‏:‏

وَمَا إنْ طبُّنا جُبْنٌ ولكن *** منايانا ودولة آخرينـا

وتكون بمعنى ‏"‏إذْ‏"‏ قال الله جلّ وعزّ‏:‏ ‏{‏وأنتم الأعْلونَ إنْ كنتم مؤمنين‏}‏ بمعنى ‏"‏إذا‏"‏ لأنه جلّ وعزّ لَمْ يخبرهم بعلوّهم إلا بعدما كانوا مؤمنين‏.‏

وزعم ناس أنها تكون بمعنى ‏"‏لقد‏"‏ فِي قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وأن تصوموا خيرٌ لكم‏}‏ بمعنى ‏"‏والصوم خير لكم‏"‏‏.‏

وتكون بمعنى ‏"‏إذ‏"‏ تقول‏:‏ ‏"‏أعجبني أن خرجتَ‏"‏ وفرحتُ أن دخلتَ الدار‏"‏‏.‏

وَقَدْ تُضْمَر فِي قوله‏:‏

ألا أيُّهذا الزَّاجِرِيّ أحْضُرَ الوغا ***

وتكون بمعنى ‏"‏أي‏"‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وانطلق الملاُّ منهم أن امشُوا‏}‏ بمعنى‏:‏ أي امشوا‏.‏

باب إلى

تكون ‏"‏إلى‏"‏ بمعنى الانتهاء، تقول‏:‏ ‏"‏خرجتُ من بَغْدادَ إلى الكوفة‏"‏‏.‏

وتكون بمعنى ‏"‏مع‏"‏‏.‏ قالوا فِي قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏مَنْ أنصاري إلى الله‏}‏‏:‏ بمعنى ‏"‏مع الله‏"‏ وقال قوم‏:‏ معناها مَن يُضيف نُصرتَه إلى نصرة الله جلّ وعزّ لي‏؟‏ فيكون بمعنى الانتهاء، وكذلك قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم‏}‏‏.‏

وربما قامت ‏"‏إلى‏"‏ مقام ‏"‏اللام‏"‏ قال ‏"‏الشَّمَّاخ‏:‏

فالْحق بَبجلَةَ ناسِبْهُم وَكن مَعَهُـمْ *** حَتَّى يُعيرُوك مجدًا غيرَ مَوْطُودِ

واتركْ تُراثَ خُفافٍ إنهم هَلكوا *** وأنت حَيٌّ إلى رِعْلٍ ومَطـرُودِ

يقول‏:‏ اتركْ تُراث خفاف لرعل ومطرود‏.‏ وخفافٌ ورعل ومطرود بنو أبٍ واحد‏.‏ وأخبرنا عليّ ابن ابراهيم القطان عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال‏:‏ ألقى عليَّ أعربيٌ هَذَا البيت فقل لي‏:‏ مَا معناه‏؟‏ فأجبته بجواب، فقال لي‏:‏ لَيْسَ هو كذا‏.‏ وأجابني بهذا الجواب‏.‏ وَكَانَ الَّذِي أجابهُ بهِ ابنُ الأعرابي أن خفافًا من غير رعِل ومطرود‏.‏

باب ألاَ

‏"‏ألاَ‏"‏ افتتاح كلام‏.‏

وَقَدْ قيل‏:‏ إن ‏"‏الهمزة‏"‏ للتنبيه و ‏"‏لا‏"‏ نفي لدعوى فِي قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون‏}‏ فالهمزة تنبيهٌ لمخاطب و‏"‏لا‏"‏ نفي للإصلاح عنهم‏.‏

وَفِي كلام العرب كلمة أخرى تُشبهها لَمْ تجيء فِي القرآن وهي ‏"‏أما‏"‏ وهي كلمة تحقيق إذا قلت ‏"‏أما إنّه قائمٌ‏"‏ فمعناه ‏"‏حقًا إنّه قائمٌ‏"‏‏.‏

باب إنما

سمعت عليَّ بن إبراهيم القطّان يقول سمعت ثعلبًا يقول سمعت سلمة يقول سمعت الفرَّاء يقول‏:‏ إذا قلتَ ‏"‏إنما قمت‏"‏ فقد نفيتَ عن نفسكَ كلَّ فعل إلا القيام، وإذا قلت‏:‏ ‏"‏إنما قامَ أنا‏"‏ فإنك نفيتَ القيامَ عن كلّ أحد وأثبتَّهُ لنفسك‏.‏

قال الفرَّاء‏:‏ يقولون‏:‏ ‏"‏مَا أنت إلاَ أخي‏"‏ فيدخل فِي هَذَا الكلام الأفراد‏.‏ كأنه ادّعى أنه أخٌ ومولىَّ وغير الأخوّة، فنفى بذلك مَا سواها‏.‏ فال‏:‏ وكذلك إذا قال‏:‏ ‏"‏إنما أنت أخي‏"‏‏.‏ قال الفرّاء‏:‏ لا يكونان أبدًا إلا ردًّا، يعني أن قولك ‏"‏مَا أنت إلاّ‏!‏ أخي‏"‏ و‏"‏إنّما قام أنا‏"‏ لا يكون هَذَا ابتداء أبدًا وإنما يكون ردًّا عَلَى آخر، كأنّه ادّعى أنه أخٌ ومولىَّ وأشياء أخر، فنفاه وأقرّ لَهُ بالأخوة، أو زعم أنه كَانَتْ منكَ أشياء سوى القيام فنفيتها كلها مَا خلال القيام‏.‏

وقال قوم‏:‏ ‏"‏إنما‏"‏ معناه التحقير‏.‏ تقول‏:‏ ‏"‏إنما أنا بشر‏"‏ محقرًا لنفسك‏.‏ وهذا لَيْسَ بشيء‏:‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏إنما الله إلهٌ واحد‏}‏ فأين التحقير هاهنا‏؟‏ والذي قاله الفرّاء صحيح، وحجته قول صلى الله عَلَيْهِ وسلم الله تعالى عَلَيْهِ وسلم‏:‏ «إنّما الولاء لمن أعتق‏}‏‏.‏

باب إلاّ

أصل الاستثناء أن تَستثني شيئًا من جملة اشتملت عَلَيْهِ فِي أول مَا لفظ به، وهو قولهم‏:‏ ‏"‏مَا خرج الناسُ إلا زيدًا‏"‏ فقد كَانَ ‏"‏زيد‏"‏ فِي جملة الناس ثُمَّ أُخرج منهم، ولذلك سمي ‏"‏استثناءً لأنه ثُنِّيَ ذكره مرةً فِي الجملة ومرّة فِي التفصيل‏.‏ ولذلك قال بعض النحويين‏:‏ المستثنى خرج مما دخل فيه، وهذا مأخوذ من ‏"‏الثِّنَا‏"‏ والثِّنا الأمر يثَّنى مرّتين‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا ثِنا فِي الصدقة» يعني لا تؤخذ فِي السنة مرتين‏.‏ قال أوس‏:‏

أفي جَنْب بَكْرٍ قطَّعَتْني ملامةً *** لَعَمري لقد كَانَتْ ملامتها ثِنَا

يقول‏:‏ لَيْسَ هَذَا بأولّ لومها، فقد فعلَتْه قبل هذا، وهذا ثِنًا بعده‏.‏

وقال بعض أهل العلم‏:‏ ‏"‏إلا‏"‏ تكون استثناء لقليل من كثير، نحو‏:‏ ‏"‏قام الناسُ إلا زيدًا‏"‏‏.‏ وتكون محققة لفعلٍ مَنفيّ عن اسم قبلها، نحو‏:‏ ‏"‏مَا قام أحد إلا زيد‏"‏‏.‏ وتكون بمعنى ‏"‏واو العطف‏"‏ كقوله‏:‏

وأرى لَهَا دارًا بأغدرة السيِّ *** دَانِ لَمْ يَدْرُس لَهَـا رسـمُ

إلا رَمادًا هامـدًا دفـعـت *** عنه الرِّياحَ خوالِدٌ سُـحْـمُ

أراد ‏"‏ورمادًا‏"‏‏.‏

وتكون بمعنى ‏"‏بل‏"‏ كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏مَا أنزلنا عَلَيْكَ القرآن لتشقى إلا تذكِرَةً‏}‏ بمعنى‏:‏ ‏"‏بل تذكرة‏"‏‏.‏ ومنه قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا‏}‏ معناه والذين آمنوا لهم أجر غير ممنون‏"‏‏.‏

وتكون ‏"‏إلا‏"‏ بمعنى ‏"‏لكن‏"‏ وتكون من الَّذِي يسمونها الاستثناء المنقطع كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏لستَ عليهم بمُسَيْطِر إلا من تولى معناه لكن من تولى وكفر‏}‏‏.‏

ومن الباب قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏قل مَا أسألُكم عَلَيْهِ من أجر إلا من شاء‏}‏ كَانَ الفرّاء يقول‏:‏ استثنى الشيء من الشيء لَيْسَ منه عَلَى الاختصار، من ذَلِكَ هَذِهِ الآية‏.‏ ثُمَّ قال‏:‏ وَفِي كتاب الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏والفواحش إلا اللمم‏}‏ قال‏:‏ هو مختصر، معناه ‏"‏إلا أن يصيب الرجلُ اللمم‏"‏ واللمم الذنوب‏.‏ والله جلّ ثناؤه لا يأذن فِي قليل الذنب ولا كثيره‏.‏ قال‏:‏ ومما جاء فِي شعر العرب قول أبي خراش‏:‏

نجا سالم والنفس منه بشـدقـه *** وَلَمْ ينجُ إلا جفنَ سيفٍ ومِئْزَرا

فاستثنى الجفن والمئزر وليسا من سالم، إنما هَذَا عَلَى الاختصار‏.‏ وأنشد‏:‏

وبلدة لَيْسَ بِهَـا أنـيسُ *** إلا اليعافير وإلا العيسُ

معناه ‏"‏لكن فِيهَا‏"‏ ومثله قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فإنهم عَدُوّ لي إلا رب العالمين‏}‏ وأما قوله‏:‏ ‏{‏لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا‏}‏ فقال قوم أراد‏:‏ ‏"‏إلا عَلَى الذين ظلموا فإن عليهم الحجة‏"‏ ويكون حينئذ ‏"‏اللذين‏"‏ فِي موضع خفض ويكون أيضًا عَلَى ‏"‏لكن الذين ظلموا فلا تخشوهم‏"‏ تبتدئه‏.‏ وقال‏:‏ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا فهذا قَدْ انقطع من الأوّل ويجوز أن يكون عَلَى الاستثناء من أوله كأنه قال‏:‏ ‏"‏إلا الذين ظلموا فجادلوهم بالتي هي أسوأ من لسان أو يدٍ‏"‏ أي أغلظ، يريد مشركي العرب‏.‏ وقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم‏}‏ قال قوم‏:‏ إنما يريد المُكْرَه لأنه مظلوم فذلك عنه موضوع وإن نطق بالكفر‏.‏ والاستثناء باب يطول‏.‏

وَقَدْ يُستثنى من الشيء الموحَّد لفظًا وهو فِي المعنى جمع، نحو‏:‏ ‏{‏إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا‏}‏‏.‏

واستثناء الشيء من غير جنسه لا معنى لَهُ مع الَّذِي ذكرناه من حقيقة الاستثناء‏.‏

وإذا جَمع الكلام ضروبًا من المذكورات وَفِي آخره استثناء، فالأمر إلى الدليل فإن جاز رجعه عَلَى جميع الكلام كَانَ عَلَى جميعه كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏إنما جزاء الَّذِي يحاربون الله ورسوله‏}‏ ثُمَّ قال ‏{‏إلا الذين تابوا‏}‏ والاستثناء جائز فِي كلّ ذَلِكَ والذي يمنع منه الدليل قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏فاجلدوهم ثمانِينَ جَلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا‏}‏ فالاستثناء هاهنا عَلَى مَا كَانَ من حق الله جلّ ثناؤه دون الجلد‏.‏

باب من الاستثناء آخر

قال قوم‏:‏ لا يُستثنى من الشيء إلا مَا كَانَ دون نصفه‏:‏ لا يجوز أن يقال عشرة إلا خمسة‏.‏ وقال قوم‏:‏ يُستثنى القليل من الكثير ويستثنى الكثير مما هو أكثر منه‏.‏ وهذه العبارة هي الصحيحة‏.‏ فأما من يقول‏:‏ يُستثنى الكثير من القليل فليست بالعبارة الجيدة، قالوا‏:‏ ‏"‏عشرة إلا خمسة‏"‏ حَتَّى يبلغ التسعة‏.‏ قالوا‏:‏ ومن الدليل عَلَى أن نصف الشيء قَدْ يستثنى من الشيء قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏يَا أيها المزَّمِّلُ قُم الليلَ إلا قليلًا‏}‏ ثُمَّ قال ‏"‏نصفه‏"‏ أفلا تراه سمّى النصف قليلًا واستثناه من الأصل‏؟‏‏.‏

قال أحمد بن فارس‏:‏ واعترض قوم بهذا الَّذِي ذكرناه عَلَى أبي عبد الله مالك بن أنس فِي قوله فِي الجائحة لأن مالكًا يذهب إلى أن الجائحة إذا كَانَتْ دون الثلث لَمْ يوضع لأنها قليل بمنزلة مَا تناله العوافي من الطير وغيرها وَمَا تلقيه الريح، فإذا بلغت الجائحة الثلث وَمَا زاد فهي كثيرة ولزم وضعها للحديث المرويّ فِيهَا‏.‏ قال المعترض عَلَى أبي عبد الله مالك رضي الله تعالى عنه‏:‏ فقد دفع هَذَا الفصل المعنى الَّذِي ذهب إليه مالك، لأن قوله جلّ ثناؤه‏:‏ ‏{‏قُمِ الليلَ إلا قليلًا‏}‏ قَدْ جعل النصف قليلًا، فإذا كَانَ نصف الشيء قليلًا منه وجب أن يكون كثيرة مَا فَوْقَ النصف‏.‏

فالجواب عن هَذَا أن مالكًا إنما ذهب فِي جعله الثلث كثيرًا إلى حديث حدثناه عليّ بن إبراهيم عن محمد بن يزيد عن هشام بن عمار عن ابن عيينة عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏مرضت عامَ الفتح حَتَّى أشرفت، فعادَني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ أي رسول الله إن لي مالًا وَلَيْسَ يرثني إلا ابنتي أفأتصدّق بثلثي مالي‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ فالشطر‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لا‏"‏ قلت‏:‏ فالثلث‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الثلث كثير، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالَةً يتكففون الناس‏"‏ فبقول رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم أعلم بتأويل كتاب الله جلّ ثناؤه‏.‏

باب إِيَّا

إيَّا كلمة تخصيص‏.‏ إذا قلت‏:‏ ‏"‏إياك أردتُ‏"‏ وَكَانَ الأصل ‏"‏أردتك‏"‏ فلما قدمت الكاف كما تقدم المفعول بِهِ فِي ‏"‏ضربت زيدًا‏"‏ لَمْ تستقم كاف وحدها مقدمة عَلَى فعل فوصل بِهَا ‏"‏إيَّا‏"‏‏.‏

وَقَدْ تكون ‏"‏إيَّا‏"‏ للتحذير كقوله‏:‏

فإيّاكم وحـيّة بـطـن واد *** هموز النّاب لَيْسَ لكم بسيىّ

باب إذا

تكون ‏"‏إذا‏"‏ شرطًا فِي وقت موقت‏.‏ تقول‏:‏ ‏"‏إذا خرجتَ خرجتُ‏"‏‏.‏

وزعم قوم أن ‏"‏إذا‏"‏ تكون لغوًا وفضلًا وذكروا قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏إذا السماء انشقت‏}‏ قالوا‏:‏ تأويله‏:‏ ‏"‏انشقت السماء‏"‏ كما قال‏:‏ ‏{‏اقتربت الساعة‏}‏ و‏{‏أتى أمر الله‏}‏‏.‏ قالوا‏:‏ وَفِي شعر العرب قوله‏:‏

حَتَّى إذا أسلكوهم فِي قتـائدَةٍ *** شلًا كما تطرد الجمَّالةُ الشردا

المعنى‏:‏ حَتَّى أسلكوهم‏.‏

وأنكر ناس هَذَا وقالوا‏:‏ ‏{‏إذا السماء انشقت‏}‏ لَهَا جواب مضمر‏.‏ وقول القائل‏:‏ ‏"‏حَتَّى إذا أسلكوهم‏"‏ فجوابه قوله‏:‏ ‏"‏مثلًا‏"‏، يقول‏:‏ ‏"‏أسلكوهم شَلّوهم شلًا‏"‏ واحتج أصحاب القول الأول بقول الشاعر‏:‏

فإذا وذلك لا مَهاةَ لذكـره *** والدهرُ يُعْقِب صالحًا بفساد

قالوا‏:‏ المعنى ‏"‏وذلك‏"‏‏.‏

وقال أصحاب القول الثاني‏:‏ الواو مفحمة، المعنى ‏"‏فإذا ذَلِكَ‏"‏‏.‏ وقولهم‏:‏ ‏"‏إذا فعلت كذا‏"‏ يكون عَلَى ثلاثة أضرب‏:‏ ضربٌ يكون المأمور بِهِ قبل الفعل‏:‏ ‏"‏إذا أتيتَ الباب فالبس أحسنَ لباس‏"‏ ومنه قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا‏}‏‏.‏ وضربٌ يكون مع الفعل كقولك‏:‏ ‏"‏إذا قرأت فترسَّلْ‏"‏‏.‏ وضربٌ يكون بعد الفعل نحو‏:‏ ‏{‏إذا حللتم فاصطادوا‏}‏ و‏{‏إذا نودي للصلاة فاسعوا‏}‏‏.‏

باب إذ

إذ تكون للماضي تقول‏:‏ ‏"‏أتذكر إذ فعلتَ كذا‏؟‏‏"‏ فأما قوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولو ترى إذ وقفوا عَلَى النار فقالوا يَا ليتنا‏}‏ ف ‏"‏نرى‏"‏ مستقبل و‏"‏إذا‏"‏ للماضي، وإنما كَانَ كذا لأن الشيء كائن وإن لَمْ يكن بعد، وذلك عند الله جلّ ثناؤه، قَدْ كَانَ، لأن علمه بِهِ سابق وقضاءه بِهِ نافذ فهو كائن لا محالة، والعرب تقول مثل ذا وإن لَمْ تعرف العواقب‏.‏ قال‏:‏

ستندم إذ يأتي عَلَيْكَ رعيلنـا

بأرعن جرار كثير صواهله

وقول جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏وإذا قال اللَّهُ يَا عيسى‏}‏ فقال قوم‏:‏ قال لَهُ ذَلِكَ لمّا رفعه إليه‏.‏ وقال آخرون‏:‏ ‏"‏إذْا‏"‏ و‏"‏إذا‏"‏ بمعنىً‏.‏ كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولو ترى إذ فزعوا‏}‏ بمعنى‏:‏ ‏"‏إذا‏"‏‏.‏ قال أبو النجم‏:‏

ثُمَّ جزاهُ اللَّهُ عنّـا إذ جَـزَى *** جنات عدن فِي العلالي العُلَى

المعنى‏:‏ ‏"‏إذا جزى‏"‏ لأنه لَمْ يقع‏.‏

ومثله قوله الأسود‏:‏

الحافظ الناس فِي تَحُوط إذا *** لَمْ يرسلوا تَحْتَ عائذ رُبَعَا

وهبّت الشمأل البلـيل وإذ *** بات كَميعُ الفتاة مُلتَفِـعـا

قالوا‏:‏ ف ‏"‏إذا‏"‏ و‏"‏إذ‏"‏ بمعنىً‏.‏ قال‏:‏

وندمانٍ يزيد الكأس طيبًا *** سقيت إذا تغوَّرتِ النجومُ

و‏"‏إذا‏"‏ تكون بمعنى ‏"‏حين‏"‏ كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏ولا تعملون من عمل إلاَّ كنا عليكم شهودًا إذ تفيضون فِيهِ‏}‏ أي حين تفيضون‏"‏‏.‏

باب إذًا

‏"‏إذًا‏"‏ مجازاة عَلَى فعل، يقول‏:‏ ‏"‏أنا أقوم‏"‏ فتقول‏:‏ ‏"‏إذًا أقوم معك‏"‏‏.‏ هَذَا هو الأصل‏.‏ ومنه قوله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وآله وسلم‏:‏ «فإني إذًا صائم» أي إذا لَمْ يحضر الطعام فإني صائم‏.‏ وقال الشاعر‏:‏

أُزْجُر حِمارِي لا يرتعْ بروضَتِنا *** إذًا يرد وقيد العير مـكـروبُ

باب أيٍّ

أيٌّ تكون استفهامًا‏.‏ تقول‏:‏ ‏"‏أيُّ الرجلين عندك‏؟‏‏"‏‏.‏

وتكون للترجيح بَيْنَ أمرين تقول‏:‏ ‏"‏أيَّا مّا فعلت فلي كذا‏"‏ أي إن فعلت هَذَا وإن فعلت هَذَا‏.‏

وتكون للتعجب نحو‏:‏ ‏"‏أيُّ رجل زيدٌ‏!‏‏"‏‏.‏

باب أَنَّى

‏"‏أنَّى‏"‏ بمعنى ‏"‏كَيْفَ‏"‏ كقوله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أنَّى يُحيي هذهِ اللَّه‏}‏‏.‏

وتكون بمعنى‏:‏ ‏"‏مِنْ أينَ‏"‏ كقوله‏:‏ ‏{‏أنَّى يكون لَهُ ولد‏}‏ أي من أين‏.‏ والأجْودُ أن يقال فِي هَذَا أيضًا كَيْفَ‏.‏ قال الكميت‏:‏

أنَّى ومن أَيْنَ آبَكَ الطـربُ

من حَيْثُ لا صَبْوةٌ ولا رِيَبُ

فجاء بالمعنيين جميعًا‏.‏

باب أَيْنَ وأينما

‏"‏أَيْنَ‏"‏ تكون استفهامًا عن مكان‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏اين زيدٌ‏"‏‏؟‏‏.‏

وتكون شرطا لمكان‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏أَيْنَ لقيت زيدًا فكلِّمْهُ‏"‏ بمعنى فِي أي مكان‏.‏

فأمّا ‏"‏أَيْنَما‏"‏ - فإنّما يكون شرطًا لمكان‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏أَيْنَما تَجْلِسْ أجْلِسْ‏"‏ ولا يكون استفهامًا‏.‏

باب أيّان

‏"‏أيّانَ‏"‏ بمعنى ‏"‏متى‏"‏ و ‏"‏وأيَّ حين‏"‏‏.‏ قال بعض العلماء‏:‏ نُرى أصلها ‏"‏أيَّ أوان‏"‏ فحذفت الهمزة وجعلت الكلمتان واحدة‏.‏ قال الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏أيّانَ يُبعثون‏}‏ أي متى و ‏{‏أيّان يومُ الدين‏}‏ أي متى‏.‏

باب الآنَ

يقولون‏:‏ ‏"‏الآن‏"‏ حدُّ الزمانين، حدّ الماضي من آخره وحدُّ المستقبل من أوّله‏.‏ وَكَانَ الفرّاء يقول‏:‏ بُني عَلَى الألف واللام لَمْ يُخلَعا منه وتُرى عَلَى مذهبِ الصِّفة لأنه صفة فِي المعنى واللفظ، كما فعلوا فِي ‏"‏الَّذِي‏"‏ و ‏"‏الَّذِينَ‏"‏ فتركوهما عَلَى مذهبِ الأداة، والألف واللام غير مفارِقين‏.‏ ومثله قوله‏:‏

فإنَّ الأُولاءِ يَعلَمونكَ مِـنـهُـم *** كعلميَ مُطَّنُّوكَ مَا دُمتَ أَشعَرا

فأدخل الألف واللام عَلَى ‏"‏أُولاء‏"‏ ثُمَّ تركها مخفوضة فِي موضع نصب كما كَانَتْ قبل أن يَدخلها الألف واللام ومثله‏:‏

وإنّي حُبِسْتُ اليومَ والأمسِ قبله *** ببابكَ حَتَّى كادَتِ الشمسُ تغرُبُ

فأدخل الألف واللام عَلَى ‏"‏أمس‏"‏ ثُمَّ تركه مخفوضًا عَلَى جهته الأُولى‏.‏ ومثله‏:‏

تَفَقَّأَ فَوْقَه الْقَلَعُ السَّوَارِي *** وجُنَّ الْخَازِبازِ بِهِ جُنُونا

وأصل ‏"‏الآن‏"‏ إنما كَانَ ‏"‏أوَان‏"‏ حذفت منها الألف وغُيّرت واوها إِلَى الألف، كما قالوا فِي الراح ‏"‏الرياح‏"‏ أنشد الفَرَّاء أنشدني أبو القَمْقَام الأَسَدي‏:‏

كأنّ مَكَاكِيَّ الـجِـوَاءِ غُـدَيَّةً *** نشاوَى تَسَاقَوا بالرِّيَاح المُفلْفَلِ

فجعل ‏"‏الرياح‏"‏ و ‏"‏الأوان‏"‏ مرةً عَلَى جهة ‏"‏فَعَل‏"‏ ومرة عَلَى جهة ‏"‏فَعَال‏"‏ كما قالوا‏:‏ ‏"‏زَمَن‏"‏ و ‏"‏زَمَان‏"‏ وإِن شئتَ جعلتَ ‏"‏الآن‏"‏ من قولك ‏"‏آن لَكَ أن تَفْعَل‏"‏ أدخلتَ عَلَيْهَا الألف واللام ثُمَّ تركتها عَلَى مذهب فِعْل فأتى النصب من نصب ‏"‏فَعَلَ‏"‏ وهو وجه جيد‏.‏ كما قالوا‏:‏ ‏"‏نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن ‏"‏قيل وقال‏"‏ و ‏"‏الآن‏"‏ فِي كتاب الله جل ثناؤه‏:‏ ‏{‏الآن وفد عَصَيْتَ قَبلُ‏"‏، ‏"‏الآن وَقَدْ كنتم بِهِ تستعجلون‏"‏ أي فِي هَذَا الوقت وهذا الأوان تتوب وَقَدْ عصيت قبل‏.‏

قال الزجاج‏:‏ ‏"‏الآن‏"‏ عند الخليل وسيبويه مبنيٌّ عَلَى الفتح تقول‏:‏ ‏"‏نحن من الآنَ نَصِيرُ إِلَيْكَ‏"‏ فتفتح‏.‏ لأن الألف واللام إنما تدخل لعهد، و ‏"‏الآن‏"‏ تُعْهَد قبلَ هَذَا الوقت، فدخلت الألف واللام للإشارة إِلَى الوقت‏.‏ المعنى‏:‏ ‏"‏نحن من هَذَا الوقت نفعل‏"‏ فلما تَضَمَّنَتْ معنى هَذَا وجب أن تكون موقوفة ففتحت للالتقاء الساكنين‏.‏